راديو موال :وكالات-ظهرت أول نسخة مختصرة من “بروتوكولات حكماء صهيون” على يد الكاتب الروسي سيرغي نيلوس عام 1903 في روسيا القيصرية.
وكان الإعداد في ذلك الوقت قائما على قدم وساق للثورة ضد القيصر الروسي نيقولاي الثاني، والتي رفع يهود كثيرون رايتها. ولذا كانت الشرطة السرية الروسية “أوخرانا” تلاحقهم، مستخدمة وسائل التحريض الفكري والدعاية ضدهم.
وقد تفتقت مخيلة بطرس راتشكوفسكي رئيس قسم عملاء الخارج في “أوخرانا” عن ضرورة الربط بين المؤامرات اليهودية والثورة على العرش الأرثوذكسي.
وبدا مناسبا لذلك كتاب “حوار في العالم الآخر بين ماكيافيللي ومونتيسكيو”، الذي ألفه الأديب الفرنسي موريس جولي بصورة حوار افتراضي بين هاتين الشخصيتين، اللتين باعد بينهما الزمان والمنهج في التفكير، حول أساليب دهاقنة السياسة للسيطرة على مقاليد الحكم في العالم.
وعلى الرغم من صدور الكتاب عام 1864 من دون ذكر اسم مؤلفه، وفي جنيف وليس في باريس، هربا من ملاحقة السلطات الفرنسية، فإن الرسالة قد وصلت إلى صاحبها الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث. وفي نهاية الأمر دفع موريس جولي حياته ثمنا لذلك.
ومن الطبيعي أن يكلف راتشكوفسكي عميل الشرطة السرية الروسية ماتفيي غولوفينسكي، المقيم في باريس، بإعداد البروتوكولات المزورة.
وقد قام غولوفينسكي باقتباس أكثر من نصف كتاب المؤلف الفرنسي وبتحويره، وأضاف إليه بلغة فرنسية ركيكة الفصول الباقية. وتحول الحوار الفلسفي المفترض بقدرة قادر إلى محاضر لاجتماعات القادة اليهود أو حكماء صهيون السرية للسيطرة على مقدرات العالم.
غير أن الكنيسة الروسية الرسمية لم تعترف بصحة الكتاب؛ وحين عُرض على القيصر نيقولاي الثاني، أعجبه في البداية، ثم سرعان ما أمر بالتحقق من صحته؛ وعندما علم بانتحال الكتاب رمى به جانبا قائلا: “لا يجوز الدفاع عن الأهداف الطاهرة بوسائل قذرة”.
وانتشرت “البروتوكولات” شيئا فشيئا في أرجاء المعمورة، ولم تبق لغة في العالم لم تنقل إليها. وقد ظهرت عشرات الطبعات من هذه الخرافة الخالدة في العالم العربي، كانت أولاها في مصر عام 1951.
ولقي الكتاب انتشارا واسعا في صفوف العرب بالذات، لأنهم هم من دفع ثمن تضييق الخناق على اليهود وبث الكراهية ضدهم في أوروبا على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين. والعرب هم، الذين تضرروا من الانتشار المحموم في أوروبا للحركات الصهيونية الطامحة للعودة إلى “أرض الميعاد”، والتي حصل ممثلوها عام 1917 من وزير الخارجية البريطاني البروتستانتي “المعادي للسامية” آرثر بلفور على وعد بإقامة وطن قومي لليهود “ربما للتخلص منهم!”
ثم أعطت “المحرقة”، التي أوقد زبانية النازية نارها لليهود في الحرب العالمية الثانية، زخما جديدا للحركات الصهيونية في الغرب.
وبدلا من تفنيد مبادئ الصهيونية الزائفة، يضيِّع بعض العرب أوقاتهم في إنكار “الهولوكوست”، التي لا ناقة للعرب مسلمين أو مسيحيين فيها ولا جمل، أو يقومون بالتقليل من عدد ضحاياها والتحقق من هوية مدبريها. وفي المقابل يقوم الصهاينة بتضخيم أعدادهم والمتاجرة بهم فيما يمكن أن يسمى صناعة “الهولوكوست”.
بيد أن البحاثة المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري كان يكرر منذ عام 1977 أن هذا الكتاب خرافة مضلِّلة، وأن الترويج له مُضر بالعرب قبل غيرهم.
كما أكد مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة في مقال نشرته صحيفة “الأهرام” المصرية (01 01 2007) أن كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” هو “كتاب خرافي لا أساس له من الصحة”.
في حين أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية لم تأخذه يوما على محمل الجِد.
وعلى الرغم من تقرير إحدى محاكم جنوب إفريقيا (21 08 2015) ومحكمة بيرن السويسرية (14 05 1935)، وإحدى محاكم موسكو عام 1993 باختلاق الكتاب، فإنه يبقى حتى يومنا هذا أكذوبة حية لا تموت.
حبيب فوعاني