عن الطفلة التي فقدت ساقها في رام الله

راديو موال : بثينة حمدان – براءة تغتالها إدارة تعليمية “عاجزة”!
كان للخبر وقع مؤلم في وطن يقدم الشهداء بالقوافل وطن لا يحتمل الموت إلا من أجل التحرر، فطفلة بعمر البستان في إحدى المدارس الخاصة تفقد جزءً من ساقها في مشهد يصعب تخيله، تفقدها في أقدم معاصر الزيتون في المدينة خلال رحلة تعليمية شملت أطفالاً من صفي البستان والتمهيدي إلى هذه المعصرة في رام الله التحتا.

كانت الرحلة يوم السبت (31 أكتوبر) أخبرتني ابنتي أن اليوم أنه لا داعي لارتداء الزي المدرسي وأن الروضة سمحت لها بارتداء ما تريد لأنها ستحتفل بعيد ميلاد ثلاثة من زملائها، وفي نهاية اليوم كانت ابنتي في قمة الفرح بسبب عدم ارتداء الزي وأجواء عيد الميلاد ولأنها ذهبت في رحلة إلى معصرة الزيتون. توقفت عند هذه الجملة وغضبت لأنني لم أعرف بخبر الرحلة ولم تصلني ورقة بذلك وكنت قد نبهت على إدارة الروضة التي نظمت الرحلة العام السابق، أن مشاركة ابناءنا بنشاط خارج المدرسة يجب أن يكون بإذن الأهالي.

وفي اليوم التالي فوجئت بخبر الحادثة، أفجعني المشهد الذي حاولت لملمته، فقد سمعت صراخ الطفلة وتخيلت جسدها الصغير الذي أكلت آلة الزيتون جزءً من ساقها وكسرت أجزاء أخرى من جسدها، وكل أهالي الأطفال بالتأكيد تخيلوا المشهد ذاته: فماذا لو كان حصل مع أطفالنا!

لقد كان خطأ عدم استئذان الأهل، لكن وبصراحة أسأل نفسي هل كنت سأمنع ابنتي من المشاركة في الرحلة لو وصلتني ورقة من المدرسة بذلك؟ الجواب بصراحة هو: لا، لكنني في المرات القادمة سأدرس الموضوع أكثر وسأحاول تحسس الخطر. ومع ذلك فقد أخطأت المدرسة بعدم إعلام الأهالي.
ومع ذلك ورغم أن الخطر كان قريباً من ابنتي التي والحمد لله لم تر الحادثة، وإن كل النقد الذي يتداول حالياً لا جدوى منه فهو لن يعيد ساقها ولن يعيد ابتسامة والديها أعانهم الله على مصيبتهم. رغم ذلك المطلوب ليس اطلاق ردود أفعالنا للهواء وخاصة الصحفيين الذين عليهم أن يطرحوا الموضوع بشكل أوسع وبما يشمل كل المؤسسات التي تقع في دائرة الاتهام مثل وزارة التربية والتعليم والدفاع المدني ووزارة الزراعة، وإيجاد حلول لتفادي مثل هذه الحوادث لاحقاً علما أن مدارس أخرى ألغت رحلتها إلى نفس المعصرة بعد هذه الحادثة:

1)    تتحمل المدرسة المسؤولية لكن هناك مسؤولية أكبر تقع على أجهزة الرقابة الحكومية لاسيما وزارة التربية أولا ثم الدفاع المدني.

2)    المسؤولية تقع أيضاً على عاتق وزارة الزراعة المسؤولة عن ترخيص المعاصر، والدافع المدني الذي يضع شروط السلامة ويوافق على الترخيص، وبزيارتي للمعصرة فإنها غير آمنة على العمال الموجودين بداخلها ففرصة تزحلق الكبير قبل الصغير واردة وحتى الدرج الخلفي للمعصرة لا أعرف كيف سار فوقه أطفالنا.. دارج ذائب هالك.

3)    أين دور وزارة التربية في تحديد السن المسموح به لاصطحاب الأطفال إلى الرحلات المدرسية فالعديد من المدارس تنظم نفس الرحلات للأعمار 4 و5 سنوات؟

4)     أين دور وزارة التربية والدفاع المدني الذين يضعون قائمة بالرحلات المدرسية، فهل كانت هذه المعصرة القديمة ضمن القائمة؟ إذا كان الجواب نعم فالوزارة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية وإذا كان لا فأين دور الرقابة وكيف تسمح للمدارس بزيارة أماكن غير مدرجة ضمن القوائم الرسمية.

5)    إن معظم الرحلات المدرسية لكافة الأعمار تدار بشكل خاطيء فقد اثبتت الدراسات أن المشرف لا يستطيع العناية سوى بخمسة طلاب، بينما يكون في باص أي رحلة نحو خمسين طالباً وطالبة على الأقل مع مشرفة واحدة أو مشرفتين فقط؟؟؟؟

6)     أطالب بالتحقيق في القضية ووضع اجراءات رقابية من وزارة التربية على المدارس، وأطلب من زملائي الصحفيين فتح النقاش على باب أوسع للاضاءة على كيفية ادارة الرحلات المدرسية التي راح ضحيتها العديد من الطلاب مثل الرحلات إلى المتنزهات وبرك السباحة دون تواجد مشرف يجيد السباحة أصلاً؟ ودون توفر مشرفين مدربين على شروط السلامة وكيفية التعامل مع الأزمات والحوادث!

لكننا وللأسف نعيش في بلد “هوجاء” بلا قانون يذهب الطرف الأضعف فيها ضحية إدارة خاطئة، نحن جميعا بشر وخطّاؤون لكن حياة أطفالنا غير مسموح الخطأ فيها، لذا فإن وضع المعايير والرقابة الدائمة بالتأكيد يخفف من هذا الخطر. وأخيراً لا أعفي المدرسة من المسؤولية رغم تاريخها ورغم أنها ربما الحادثة الأولى في تاريخها، لكنني أوجه إصبع الاتهام وبشدة إلى الدور الحكومي الرقابي الغائب في معظم القضايا، وأدعو الأهالي لوقفة لدى وزارة التربية للمطالبة باجراءات شديدة ورقابة ومعايير واضحة لتفادي الحوادث.