راديو موال : اسامة العيسة – يتقدم الصفوف الأولى في مواجهات قبة راحيل، يرفع علمًا، وضعه على سارية بطول نحو أربعة أمتار، لَيّنة، لا تنكسر، تتطَوّح مع الحركة السريعة، دون ان يُنتزع العَلَمّ منها، مُناسِبة للكرّ والفرّ.
عندما يطلق جنود الاحتلال الغاز المدمع بكثافة، لا ينشغل بإمساك قنابلها الحارة، وإعادة قذفها على الجنود، ولكنه يتوارى، يهرب، ثم يتقدم، بعد زوال تأثير الغاز نسبيا، بتؤدة، ويتشجع أكثر ليواصل التقدم، ولكنه لا يترك العَلَمّ، الذي لا يكف عن التلويح به.
وعندما يطلق الجنود الرصاص الحيّ، يتقافز، يركض، يهرب، دون أن يترك العَلَمّ، وعندما ينهمر على المنتفضين الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، لا ينشغل بالتقاط الكرات، لإعادة استخدامها، غذاءا للمقاليع، والتي يعتبرها المنتفضون غنائم حرب يُحسنون اعادة استخدامها، وإنما يتمسك أكثر بالعَلَمّ الذي يبلى مع مرور الوقت.
قد يكون هذا عاديًا، بالنسبة لمنتفض فلسطيني، اكتسب العَلَمّ الوطني بالنسبة إليه، أكثر المعاني رمزية، وحاز على إرث، راكمته دماء جرحى، وشهداء ارتقوا وهم يحملون الأعلام، أو رفضوا إنزالها عن أعمدة الكهرباء، أو محْو رسومها عن الجدران.
ولكن العَلَمّ الذي يتشبث به المنتفض هو عَلَمّ العدوّ الذي لا تفصل بينه وبين جنوده إلّا بضعة أمتار.
اتخذ المنتفض العَلَمّ الإسرائيليّ، كإدة انتفاضية في وجه جنود الجيش الذي يصف نفسه بانه لا يقهر، فأراد، كما يقول زميل له قهرهم بعلَمِهم. وعلى بعد أمتار منهم، متحديا ترسانة أسلحتهم.
يلوح المنتفض المقنع، بالعَلَمّ، بشكل ساخر، يمرغه بالأرض، يضع قدمه عليه، وبعد فترة تحدث ثقوب في العَلَمّ، ولكن المنتفض لا يتركه.
يثير العَلَمّ الإسرائيليّ، بيديّ المنتفض، اهتمام رفاقه المنتفضين، يقول أحدهم، بان رفع زميله لعَلَمّ العدو، يحمل كل المعاني المعاكسة، لرفع العَلَمّ الفلسطينيّ، مِن فخرٍ، وزهو.
يقول: “هو رسالة تحدي، للجنود، بأننا نمرغ رمزهم، على مرأى منهم، نستطيع ان نفعل به ما نريد، ولنرى ماذا يمكن أن يفعلوا، في وجه فتية غير مسلحين”.
يرى آخر، بان التلويح بالعَلَمّ ذو اللونين الأزرق والأبيض، محاكاة لمصارع الثيران، الذي يهيج ويتحدى الثور باللون الأحمر.
يؤكد ثالث: “هم ثيران جامحة بأسلحة حديثة، ونحن نبتكر أسلحتنا، حيلة صاحب الحق، مقابل صاحب القوّة. صاحب الحق يدوم بحقه، والمرتكز على القوّة، ينتهي بفقدها الحتميّ”.