راديو موال – انفجرت لدي الأفكار وحاكتني الأحاسيس عند سماعي قصص وروايات المنتفعين من المدمنين الذين وقعوا ضحية في حفرة الإهمال الطبي وقلة الأدوية اللازمة، بالإضافة للإرتفاع أسعارها وشح توفر أنواعاً منها أو سوء استعمالها من أجل تخفيف الألم، غالبا ما نود التعلق بطرف خيط أو التعلق بقشه لكي ننجو ونخفف الألم النفسي و الجسدي أو بحثاً عن تغيير للمزاج، ولكن وبالطبيعة البشرية نبقى نصارع وجعنا حتى نتخلص منه أو نعمل على تقليله، ولكن كيف؟
شدتني قصة شاب جامعي تعرض لحادث سير، أدى به لأن يبقى طويلاً على سرير المشفى لعلاجه جسدياً وتخفيف ألمه، ولكن وبعد شفائه كان بحاجه ماسة للمتابعة النفسية لتأثره بفقدان صديقه الوحيد أثناء الحادث، مما إطر لمتابعة حالته النفسية لدى الكثير من الأطباء النفسيين حال معظم المرضى، لنكتشف بعدها شدة تعلقه وإدمانه على الأدوية المخففة لألمه النفسي وحاجته للنسيان، ليصبح أخيراً مدمناً على الهيرون. كما وأثر بي أيضا طلب العون والمساعدة للعلاج من جرحى حرب غزة ما قبل الأخيرة كما ذكر، فقد إستهلَ رسالته بالإستفسار والسؤال عن الحل لجريح تمزقت وتفتت أعصاب وأربطة رجليه، وتيبست مفاصل ركبتيه ليصبح مُقعداً لأكثر من سنتين، ولتخفيف الألم والذي وصفة بالمميت كان يتناول الترمال الطبي مدة ستة شهور ليل نهار، ولكنه كان يبحث في كل مرة عن مسكن أكثر فعالية لتخفيف أوجاعه، حتى وصل به الحال في البحث عن أنواع جديدة من المسكنات بين تجار المخدرات في الشارع. وسرعان ما أصبح مدمناً على هذه الأدوية جنى عليه زمانه ليكون مدمناً بكل معنى الكلمة، كل هذا وهو في إنتظار دوره في العلاج الطبي خارج البلاد، وكم من مرضى وجرحى في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس هم بحاجه للعلاج الطبي لتخفيف ألمهم الجسدي، حيث تواجههم العديد من الصعوبات ومنها خطر الإنزلاق في دوامة التردد على الجهات المسؤولة والمعنية بعلاجهم .
كوني مدير لمركز إرشادي خاص بمدمني المخدرات الفعالين والمتعافين في مدينة القدس وبحكم خبرتي المهنية كأخصائي إجتماعي، وبعد إطلاعي فترة طويلة على ملفات المنتفعين لدينا للإرشاد والبحث عن حلول والعمل معهم للتخلص من الإدمان بتحويلهم لمراكز واُطرعلاجية بمختلف الطرق والوسائل المهنية والعلمية، وللإستمرار معهم بعدها بالإرشاد والمتابعة النفسية لتجنب الوقوع مرة أخرى والإنتكاسة. أقف اليوم حائراً متسائلاً عن العلاقة ما بين العلاج الطبي وسوء إستخدام الأدوية والوقوع في حقل الإدمان!! كيف لنا أن نقوم بإرشاد مدمني المخدرات من الذين وقعوا ضحية الإهمال الطبي وسوء إستخدام الأدوية؟ من المذنب في هذا النوع من الإدمان؟ أشعر وكأنني أتحدث هنا عن نوع قديم جديد من حالات الإدمان، وذلك بازدياد الحروب والإصابات الخطيرة وإنتشار الأمراض والتي غالبا لا نجد لها علاج غير المسكنات والأدوية المخففة للألم. إذ يتحدث أحد المهنيين في مركز مجتمعي في مدينة القدس عن ضرورة مرافقة هؤلاء المرضى والجرحى لإشراف طبي دقيق من خلال إعطاء وصفات طبية ملائمة، وأنا أقول أين الرقابة على الصيادلة التي تحول بعضها إلى متاجر لبيع الأدوية وأدوات التنظيف، كيف لنا أن نقوم بالمراقبة على أنواع الأدوية بدون وصفة طبية؟ والتي غالبا ما تكون هذه الأدوية ضارة، وهل المراقبة كافية أو حل؟
يرتبط مفهوم إساءة إستعمال العقاقير بمفاهيم أخرى كالأخطاء الطبية في التشخيص ووصف الأدوية وتقديم العلاجات بجودة متدنية، إلى جانب مفهوم الإستعمال غير الطبي للأدوية والعقاقير أي دون مراجعة الطبيب ودون الإلتزام بالخطة العلاجية وبقواعد وشروط أخذ الجرعات الدوائية. فأن أحد معايير المواد المخدرة أن تستعمل في غير الأغراض الطبية أو الصناعية الموجهة مثل بعض المهدئات والمسكنات ومثل المواد الطيارة والمستنشقة مثل (التينر، الأسيتون، اللغو، الغراء، البنزين، والتيبكس وغيرها من الأنواع ربما نجهل طرق صناعتها ومدى خطورتها). إذ يترتب على ذلك العديد من السلوكيات الخطرة بسبب قلة الوعي، المعلومات المضللة، والسلوكيات الاندفاعية والاستهتار.
وبعيداً عن التضخيم الإعلامي فإن هناك أرقاماً مذهلة عن أعداد ضحايا الإهمال والخطأ الطبي في المجتمعات المهتمة بصحة ورفاه المواطنين. وبعيداً عن تعقيدات الملفات القضائية للشكاوى والإدعاءات المضادة وكواليس الاستئناف للقضايا المرفوعة بالمحاكم، فإن هناك مسؤوليات مهنية مجتمعية ينبغي لنا الإضطلاع بها من المهام والأدوار للتوعية وتقليل الخطر ومعالجة الآثار المترتبة عن الأخطاء الطبية.
كما إن السياسات الطبية والعلاجية المستندة على الخبرة والتجربة المبنية على نتائج الأبحاث والتقييمات الميدانية والتطبيقية، إلى جانب تطبيق نظام التدخلات الشمولية الواضحة في فرق متكاملة من المهن الطبية والمساعدة كفريق متشابك بالعمل مؤلف من (طبيب عام – طبيب نفسي – طبيب مختص– مختص تخدير – معالج وظيفي– أخصائي نفسي واجتماعي …)، وضمن تحديد الأدوار والمهام مع التنسيق والمتابعة والتقييم المستمر بالإضافة لإجراء الفحوصات بمهنية وجودة عالية وشفافية نظام المرافعة في القضايا الجنائية، بالإضافة لحملات التوعية وإنتهاج مبدأ الحقوق والواجبات، كفيلة بأن تقدم خطوطاً عريضة لمواجهة هذا الخطر وإن تبعد شبح مشكلات العلاج الطبي عن الوقوع بمصيدة الإدمان .
بقلم تامر زكاك