راديو موال : خاص بآفاق البيئة والتنمية – جورج كرزم : كشفت المداولات التي جرت في حزيران الماضي في “لجنة حقوق الطفل” في إسرائيل بأن مدرسة إسرائيلية واحدة من بين كل مدرستين تتعرض لمستويات مرتفعة من الأشعة الكهربائية المسرطنة؛ أي أن حوالي 50% من المدارس الإسرائيلية تتعرض لمستويات إشعاعية ضارة.
هذا ما أكدته نتائج بحث أجراه “مجلس منع التلوث الهوائي والضوضائي في إسرائيل”؛ حيث أشارت تلك النتائج إلى أن النسبة المذكورة من المدارس تعاني من انحراف عن المستويات الإشعاعية الآمنة؛ والسبب الرئيسي في ذلك هو خزائن اللوحات الكهربائية وخطوط الكهرباء التي تتجاوز الأشعة المنبعثة منها المعايير المسموح بها. عدد كبير من الطلاب الإسرائيليين يتعرضون لأشعة كهربائية خلال معظم ساعات الدراسة ومعظم السنوات المبكرة لنموهم الجسمي. كما أن مدارس إسرائيلية كثيرة ثبتت على جدرانها خزائن لوحات كهربائية بجهد مرتفع، وذلك بسبب استخدام المكيفات.
يشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية خصصت 5 مليون شيقل لبرنامج رصد الإشعاع في المدارس.
وهنا نتساءل: إذا كان هذا هو واقع المدارس الإسرائيلية فما هو حال المدارس الفلسطينية؟
في السنوات الأخيرة، تركزت أنظار جزء كبير من الجمهور الفلسطيني على الأخطار الناجمة من أبراج الهواتف الخلوية المنتشرة عشوائيا وفوضويا في مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، لدرجة نسي العديد من الناس معها المخاطر الناجمة من مصادر إشعاعية أخرى؛ مثل المخاطر الإشعاعية المتسببة من مصادر كهربائية.
ونركز هنا بشكل خاص على الإشعاعات الكهرومغناطيسية الخطيرة التي قد يتعرض لها أطفالنا في المدارس تحديدا؛ إذ أن خزائن اللوحات الكهربائية، في العديد من مدارسنا وروضاتنا، مثبتة على الجدران في محيط الغرف الصفية التي يتواجد فيها الأطفال ساعات طويلة يوميا.
ويمكننا اعتبار هذه اللوحات في المدارس والمؤسسات التعليمية بمثابة مشكلة حقيقية؛ لأنها تشكل مصدرا للإشعاعات الكهرومغناطيسية المتشكلة من الحقول الكهربائية التي مصدرها الأجهزة والساعات الكهربائية المتواجدة في تلك الخزائن.
وبالرغم من أن مسألة أماكن تواجد خزائن اللوحات الكهربائية في المدارس، وبالتالي مستويات الإشعاعات المنبعثة إلى محيطها، تحتاج إلى مسح جدي وواسع، تشارك فيه وزارة التربية والتعليم والمجالس المحلية والبلدية، إلى جانب شركة الكهرباء ووزارة الصحة، إلا أن فحصا أوليا سريعا لبعض المدارس، قد يكشف عن تجاوزات كبيرة في مقادير الإشعاعات الكهرومغناطيسية. وقد تكون التجاوزات أكبر بكثير من الحد الأعلى المسموح به حسب المواصفات الدولية.
وكما هو معروف، الأشعة الكهرومغناطيسية عبارة عن الحقل المغناطيسي المنبعث من الأجهزة الكهربائية. التعرض المباشر لمثل هذه الأشعة قد يتسبب في سلسلة من المشاكل الصحية. وقد حددت المنظمة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) أن التعرض للأشعة بمستوى يفوق 2 ملي-جاوس طيلة 24 ساعة متواصلة قد يكون “سببا ممكنا للسرطان”. وقد تبنت الدول الغربية هذا الحد.
باعتقادنا، أن على المجالس المحلية والبلدية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، أن تبادر إلى إجراء الفحوص اللازمة في المدارس الواقعة في نطاق مناطق نفوذها. ويجب أن تشمل هذه الفحوصات أماكن تواجد خزائن اللوحات الكهربائية في المدارس، ومستوى الإشعاع المنبعث إلى محيطها، وبخاصة في الغرف الصفية المحيطة بها.
وفي ظننا، أن العديد من أطفالنا في المدارس- وبخاصة في المدارس القديمة التي عند تصميمها لم تؤخذ بالحسبان الأشعة المنبعثة من اللوحات الكهربائية- معرضون للحقول المغناطيسية القوية، في ظل غياب وعي الأهالي لخطورة هذه المسألة؛ ففي العديد من المدارس تم تثبيت تلك اللوحات على الجدار في العنابر والردهات، حيث قد تتواجد من الجهة الأخرى للجدار غرفة صفية، وبالتالي، فإن الطلاب بمحاذاة الجدار يتكئون عليه ساعات طويلة. ومن المعروف أن الأشعة تخترق الجدران، وبالتالي فإن الطفل قد يتواجد في حقل مقداره 60 ملي-جاوس أو أكثر.
ويكمن حل هذه المشكلة في تمتين وعزل خزانة اللوحة الكهربائية، بواسطة ألواح معدنية خاصة تعمل على فرملة الأشعة.
ومن نافل القول إن الحرص على الأمن الحياتي للمواطنين يتضمن أيضا تحمل الجهات التربوية والصحية والبلدية المسؤولية عن رفاهية أطفالنا في مؤسساتهم التعليمية، ووقايتهم من كافة أشكال التلوث، وبخاصة التلوث الهوائي والإشعاعي والضوضائي. ولا بد من بلورة سياسات رسمية ثابتة وموحدة حول هذه المسألة؛ ما يتطلب تشكيل جسم حكومي-أهلي مشترك وظيفته متابعة ومعالجة جميع أشكال التلوث في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية.
ويفترض بوزارتي التربية والبيئة عدم الاكتفاء فقط بتوفير الوقاية من الصدمات الكهربائية في المدارس، بل أيضا الوقاية من الإشعاع؛ الأمر الذي يتطلب شفافية في عمليات الفحص الإشعاعي، وإلزام المدارس والروضات بالحصول على شهادات الأمان من الإشعاع. وعندئذ، لا بد من اتخاذ الإجراءات الوقائية في المدارس التي تعاني من انتشار التلوث، أو الإشعاع أو المواد الخطرة، حتى لو تطلب الأمر إغلاق مؤقت أو دائم للمؤسسة التعليمية.