راديو موال : فيما يلي نص الكلمة التي القاها الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة:
في البداية، أتوجه بالتهنئة الخالصة لكم على انتخابكم رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، كما أتوجه بالشكر والتقدير لسعادة جون آش على رئاسته المتميزة للدورة الماضية.
السيدات والسادة
في هذا العام الذي اختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة كي يكون عاماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني اختارت إسرائيل أن تجعله شاهداً على حرب إبادة جديدة ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني.
وفي هذا العام الذي أردتموه باسم دول وشعوب العالم معبراً عن توق العالم وإصراره على إنجاز السلام العادل، اختارت دولة الاحتلال أن تتحدى العالم بأسره بشن حربها على غزة، وكانت طائراتها ودباباتها وهي تغتال بوحشية حياة وبيوت ومدارس وأحلام آلاف الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين تجهز في واقع الأمر على ما تبقى من آمال السلام.
السيدات والسادة
لقد خاطبتكم في هذه القاعة في مثل هذه الأيام العام 2012 وحذرت من أن دولة الاحتلال الاستيطاني تعد لنكبة جديدة للشعب الفلسطيني، وناشدتكم: امنعوا وقوع نكبة جديدة، ادعموا إقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة الآن.
وعدت بعد شهرين إلى نفس القاعة وفلسطين تضمد جراحها، وشعبها يدفن الشهداء من أحبته الأطفال والنساء والرجال بعد حرب أخرى شنت حينذاك على قطاع غزة، ويومها قلت: لم يكن بالتأكيد أحد في العالم بحاجة إلى أن يفقد عشرات الأطفال الفلسطينيين حياتهم كي يتأكد أن إسرائيل تتمسك بالاحتلال ولم تكن هناك حاجة لآلاف الغارات القاتلة والأطنان من المتفجرات كي يتذكر العالم أن هناك احتلالاً يجب أن ينتهي وأن هناك شعباً يجب أن يتحرر.
وها نحن هنا مجددا اليوم.
وها نحن نجد أنفسنا، وبكل أسف ومرارة نطرح نفس الخلاصات والأسئلة القديمة بعد حرب جديدة هي الثالثة التي تشنها دولة الاحتلال العنصري خلال خمس سنوات على غزة، هذه البقعة الصغيرة والمكتظة والغالية من بلادنا.
الفارق اليوم أن حجم جريمة الإبادة أكبر، وأن قائمة الشهداء وخاصة الأطفال منهم أطول، وكذلك قوائم الجرحى والمعاقين، وأن عشرات العائلات تمت إبادتها بالكامل، والفارق اليوم أن هناك نحو نصف مليون شخص شردوا من بيوتهم، وأن عدد البيوت والمدارس والمستشفيات والمباني العامة والعمارات السكنية والمساجد والمصانع وحتى المقابر المدمرة غير مسبوق لحقوا بشبابنا وأبنائنا لينتقموا منهم في المقابر، والفارق اليوم أن الدمار الذي تسبب به العدوان الأخير لا مثيل له في العصر الحديث كما أكد شاهد عيان هو السيد المفوض العام للأونروا.
السيدات والسادة
لقد كانت الحرب الأخيرة على غزة سلسلة من جرائم الحرب مكتملة الأركان نفذت وببث مباشر على مرأى ومسمع العالم بأسره لحظة بلحظة. فلا يعقل أن يدعي أحد الآن أنه لم يدرك حجم وهول الجريمة. ولا يعقل، أن يكتفي البعض بإعلان دعمه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها دون الاهتمام بمصير آلاف الضحايا من أبناء شعبنا متجاهلاً حقيقة بسيطة نذكره بها وهي أن حياة الفلسطيني غالية، تماما كحياة أي انسان آخر.
إن تجاهل البعض للحقائق على الأرض لا ينفي وجود هذه الحقائق.
ونفترض أيضاً أن لا أحد سيتساءل بعد الآن: لماذا ينمو التطرف ولماذا تتراجع ثقافة السلام، ولماذا تنهار الجهود لتحقيقه.
ونعتقد أو نتمنى أن لا يحاول أحد مساعدة الاحتلال هذه المرة أيضاً على الإفلات بجريمته دون مساءلة.
السيدات والسادة
باسم فلسطين وشعبها أؤكد هنا اليوم: لن ننسى ولن نغفر، ولن نسمح بأن يفلت مجرمو الحرب من العقاب.
وأؤكد أمامكم أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه المشروع في الدفاع عن نفسه أمام آلة الحرب الإسرائيلية، ومتمسك بحقه المشروع في مقاومة الاحتلال العنصري الاستيطاني الإسرائيلي.
وفي نفس الوقت أؤكد أن حزننا وفجيعتنا وصدمتنا وغضبنا لن يجعلنا للحظة نتخلى عن إنسانيتنا وعن قيمنا وأخلاقياتنا، بل سنحافظ على الدوام على احترامنا والتزامنا بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني وتماثلنا مع الإجماع الدولي، وسنصون تقاليد نضالنا الوطني التي رسخها الفدائيون الفلسطينيون والتزمنا بها منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية في مطلع العام 1965.
السيدات والسادة
وسط طوفان المذابح وإعصار التدمير الشامل وجدنا شعوب العالم تنزل في مظاهرات ضخمة، معلنة إدانتها للعدوان والاحتلال وتأييدها لحرية فلسطين، ووجدنا الأغلبية الساحقة من الدول تتبنى نفس الموقف، ولحظنا اتساعاً نوعياً في فعاليات حملة المقاطعة الشعبية الدولية لسياسة الاحتلال و’الأبرتهايد’ والاستيطان الإسرائيلي.
فالتحية باسم فلسطين لكل من انحاز إلى القيم الإنسانية وطالب بالحرية والعدل والسلام. لقد شكلت كل مظاهر التضامن الصادقة هذه رسالة هامة لمن كانوا يواجهون الإبادة في غزة كي يشعروا-على الأقل- أنهم ليسوا وحدهم.
السيدات والسادة
لقد جاءت الحرب الإسرائيلية الأخيرة لتجسد على الأرض جوهر ما كانت الحكومة الإسرائيلية تطرحه في غرف المفاوضات المغلقة. فقد جاءت بعد مسعى تفاوضي طويل وشاق استمر أكثر من ثمانية شهور برعاية الولايات المتحدة وبمتابعة الرئيس باراك أوباما وبإدارة مثابرة من وزير خارجيته جون كيري. وانخرطنا في هذا المسعى بعقول مفتوحة وبنوايا صادقة وبروح إيجابية، وطرحنا مواقفنا الثابتة المستندة لقرارات الشرعية الدولية والتي تحظي بالتأييد الساحق بين دول العالم، واحترمنا بإخلاص جميع التزاماتنا وتفاهماتنا، بل كنا ونحن نراقب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة نمارس درجات مستحيلة من ضبط النفس فنكتم صرخاتنا ونعض على جراحنا كي نعطي الجهود الأميركية أفضل فرصة ممكنة للنجاح .
ولكن وكالعادة لم تفوت الحكومة الإسرائيلية الفرصة دون أن تخرب فرصة السلام.
فخلال شهور المفاوضات تواصلت عمليات البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وحملات القتل والاعتقالات الواسعة والتهجير القسري في الضفة الغربية وتشديد الحصار الجائر على قطاع غزة. وركز الاحتلال حملته على مدينة القدس ومواطنيها، محاولاً تغيير وتزييف روح وهوية ومشهد المدينة المقدسة، مركزاً على المسجد الأقصى ما ينذر بعواقب كارثية، وفي الوقت نفسه كانت عصابات المستوطنين العنصريين المسلحين تواصل جرائمها ضد المواطن والأرض والمساجد والكنائس والممتلكات وأشجار الزيتون.
وكالعادة أخفقت الحكومة الإسرائيلية مجدداً في امتحان السلام.
فقد نقضت اتفاقا مع الإدارة الأميركية حول إطلاق عدد من أسرى الحرية الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين نصر على إطلاق سراحهم جميعاً، وعندما وجهت بالأسئلة البسيطة في المفاوضات المباشرة أو عبر الوسيط الأميركي لم تتردد في كشف مواقفها الحقيقية:
إن إسرائيل ترفض إنهاء الاحتلال لأراضي دولة فلسطين التي احتلتها العام 1967 بل تسعى لاستمراره وتكريسه، وترفض قيام دولة فلسطينية، وترفض إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. هذا هو الموقف الرسمي لحكومة إسرائيل.
إن المستقبل الذي تقترحه الحكومة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني هو في أحسن الأحوال معازل متفرقة للفلسطينيين على أرض لا حدود لها، ولا سيادة لهم عليها ولا على أجوائها ومياهها وثرواتها الطبيعية، وستكون تحت سطوة المستوطنين الفاشيين وجيش الاحتلال في أبشع تطبيق ممكن لأنظمة ‘الأبرتهايد’. ورغم هذا بعضهم يقولون نريد الدولتين، أين هي الدولة الفلسطينية؟، هذه المعالم التي يريدونها للدولة الفلسطينية.
لقد أكدت إسرائيل خلال المفاوضات أنها ترفض صنع السلام مع الضحية، مع الشعب الفلسطيني.
ويجري ذلك مع محاولة إضفاء طابع ديني على الصراع، ومع تصاعد وتفشي العنصرية في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي وتكريسها في المناهج الدراسية وفي سلسلة من القوانين وفي ممارسات الاحتلال والمستوطنين، وقد وجدت هذه الثقافة العنصرية وخطاب التحريض والكراهية تعبيراً مجسداً لنتاجها في الجريمة الدنيئة والمروعة التي أقدم عليها عدد من المستوطنين الفاشيين قبل شهور عندما اختطفوا الفتى المقدسي محمد أبو خضير وقاموا بإحراقه حياً ثم قتلوه، إن هذا يذكرهم بشيء ما بالتاريخ نتمنى أن يتذكروه.
وفي السنوات الماضية مارس الاحتلال سياسة ممنهجة لإضعاف السلطة الوطنية وصولاً لشطب عملي لكامل دورها، وكان الاحتلال يستهدف ما نقوم به من عمل دؤوب لصياغة أسس نموذج دولة فلسطين التي نريد: دولة سيدة مستقلة تعيش بسلام وتبني جسور التعاون المتكافئ مع جيرانها، تحترم الالتزامات والمعاهدات والاتفاقات، تكرس المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان والتعددية، ترسخ الإرث التنويري الفلسطيني في التسامح والتعايش وعدم الإقصاء، وتقوي ثقافة السلام، وتعزز دور المرأة، وتبني إدارة كفؤة تلتزم معايير الحكم الرشيد. أراد الاحتلال ويريد ضرب هذا النموذج لأنه نقيض جوهر سياساته الاستيطانية، ولأنه يريد تدمير فرصة تبلور الكيانية الفلسطينية في دولة مستقلة ضمن حل الدولتين .
وعندما نجحت جهودنا عبر الحوار الوطني قبل شهور في إنهاء الانقسام الداخلي واستعدنا وحدة الأرض والوطن والمؤسسات وشكلنا حكومة التوافق الوطني وبدأنا مسيرة ستقود إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فقد رحبت جميع دول العالم بهذا إلا إسرائيل التي تعمل على الدوام على تمزيق أرضنا ووحدتنا الوطنية. كل دول العالم وافقت على حكومة الوفاق الوطني إلا إسرائيل.
السيدات والسادة
والآن إلى أين من هنا؟
إن التفكير بأنه من الممكن وببساطة العودة إلى نمط عمل سابق تكرر فشله هو أمر ساذج في أحسن الأحوال، وخاطئ في جميع الأحوال، بجانب أنه لم يعد مقبولاً وليس مجدياً استنساخ أساليب ثبت عقمها، أو مواصلة اعتماد مقاربات أخفقت مراراً وتحتاج مراجعة شاملة وتصويباً جذرياً .
من المستحيل ،أكرر، من المستحيل العودة إلى دوامة مفاوضات تعجز عن التعامل مع جوهر القضية والسؤال الأساس، لا صدقية ولا جدوى لمفاوضات تفرض إسرائيل نتائجها المسبقة بالاستيطان وببطش الاحتلال، ولا معنى ولا فائدة ترتجى من مفاوضات لا يكون هدفها المتفق عليه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس على كامل الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب 1967، ولا قيمة لمفاوضات لا ترتبط بجدول زمني صارم لتنفيذ هذا الهدف.
آن لهذا الاحتلال الاستيطاني أن ينتهي الآن.
إن فلسطين ترفض أن يكون حق شعبها في الحرية رهينة لاشتراطات عن أمن إسرائيل، وهو الذي يتعرض يومياً لإرهاب دولة الاحتلال العنصري ومستوطنيها.
إن شعب فلسطين هو من يحتاج في الحقيقة إلى الحماية الدولية الفورية وهو ما سنسعى إليه من خلال المنظمات الدولية، ويحتاج إلى الأمن وإلى السلام قبل أي أحد آخر، وأكثر من أي أحد آخر، وأطفال فلسطين يستحقون أن يضمن العالم لهم بأن لا يتم مرة أخرى اغتيال طفولتهم وسرقة أحلامهم وحياتهم.
أما آن لفصول هذه المأساة المستمرة والمتجددة أن تطوى؟!.
إن من اقتلعوا من بيوتهم الدافئة وأرضهم الطيبة وبلادهم الجميلة خلال النكبة قبل 66 عاماً وقذف بهم إلى جحيم المنافي واللجوء، ويجرى قذفهم في متاهات هجرات جديدة، أو إلى سفن الموت في بحار العالم، بين حين وآخر هم من يحتاجون إلى ضمانات بألا يشردوا مرةً أخرى، وألا يقضوا حياتهم في انتظار الغزاة في حربهم الجديدة.
أما آن لهذا التيه الطويل أن يصل إلى محطته الأخيرة.
لن نقبل بأن نبقى إلى الأبد في مربع المطالبين على الدوام بإثبات حسن نواياهم بتقديم تنازلات على حساب حقوقهم، وبالتزام الصمت وهم يقتلون وأرضهم تنهب. لقد سئمنا الدخول في امتحانات إضافية لإثبات الكفاءة والجدارة كي نحظى بحقنا الطبيعي البسيط في أن نعيش حياة عادية، وأن نمارس حقنا البديهي في توقع غد هادئ مألوف والحلم بأيام أجمل، وبالقدرة على أن يخطط شبابنا باطمئنان لأيامهم وسنواتهم القادمة بحرية وسلام فوق أرضنا كبقية شعوب العالم.
آن للسلام العادل والحقيقي أن يمكن في أرض السلام. كما قلت أكثر من مرة نحن الشعب الوحيد في كل العالم الذي بقي تحت الاحتلال.
السيدات والسادة
لقد حذرنا نحن وجميع الدول العربية على الدوام من العواقب الكارثية لاستمرار الاحتلال الاستيطاني وعدم نيل شعب فلسطين لحريته واستقلاله، ودللنا مراراً على أن بقاء إسرائيل دولة فوق القانون واستمرار إفلاتها من العقاب والمحاسبة على اعتداءاتها وتحديها للإرادة والشرعية الدولية مسؤول بشكل حاسم عن توفير التربة الخصبة والبيئة المناسبة لنمو التطرف والكراهية والإرهاب في منطقتنا.
إن مواجهة الإرهاب الذي ابتليت به منطقتنا من تنظيمات كـ’داعش’ وغيرها لا علاقة لها بأي صورة من الصور بالدين الإسلامي السمح أو بالبشرية، وتقوم بارتكاب فظائع وحشية دنيئة، تتطلب ما هو أكثر من المواجهة العسكرية وهي أمر ملح، وتستلزم ما هو أكثر من إطلاق الإدانات وإعلان المواقف وهو أمر مطلوب. إنها تحتاج في المقام الأول إلى بناء استراتيجية شاملة مصداقة لتجفيف منابع الإرهاب واجتثاث جذوره في جميع المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا، إنها تتطلب وضع أسس صلبة لتوافق عملي يجعل محاربة جميع أشكال الإرهاب وفي كل مكان مهمة حاسمة يتصدى لها تحالف الدول وتحالف الشعوب وتحالف الحضارات، وتتطلب في هذا السياق وبشكل رئيس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لبلادنا الذي يعد بوقوعه وباستمراره وبممارساته شكلاً بشعاً من إرهاب الدولة ودفيئة للتحريض والتوتر والكراهية.
في الوقت الذي ما زلنا نعاني فيه أهوال الحرب يقف أمامنا تحد هائل لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال. وهذه المرة الثالثة لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.
وبدعوة نثمنها من جمهورية مصر العربية ومملكة النرويج ستستضيف القاهرة الشهر القادم مؤتمراً دولياً خاصاً حول إغاثة وإعادة إعمار غزة، وستقدم حكومتنا تقارير شاملة إلى المؤتمر عن الخسائر التي لحقت بمختلف مناحي الحياة نتيجة العدوان، وستقدم تفاصيل الخطط والبرامج التي ستسارع إلى القيام بتنفيذها والإشراف عليها في قطاع غزة لتلبية احتياجات الإغاثة العاجلة ومتطلبات إعادة البناء والإعمار، بالتنسيق الكامل مع هيئات ووكالات الأمم المتحدة. إذن كل شيء سيجري بإشراف الأمم المتحدة.
وقبل يومين اتفقت الفصائل الفلسطينية على تعزيز وتمكين حكومة التوافق في قطاع غزة، ما سيعزز ويضمن إنجاز عمليات إعادة الإعمار.
إننا إذ نعبر عن تقديرنا لكل الدول والهيئات التي سارعت لتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني خلال الحرب وبعدها، فنحن على ثقة أن الدول الشقيقة والصديقة لن تتردد في دعم ما سنطرحه من خطط وبرامج، وأن المؤتمر سيخرج بنتائج عملية تلبي توقعات واحتياجات ضحايا العدوان.
ونؤكد هنا مجدداً أن الشرط الأساس لنجاح كل هذه الخطط والجهود هو إنهاء الحصار الإسرائيلي البشع المتواصل منذ سنوات والذي يخنق غزة ويحولها إلى أكبر سجن في العالم لحوالي مليوني مواطن فلسطيني، وفي الوقت نفسه نؤكد حرصنا على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار عبر المفاوضات التي ترعاها مصر. غير أنه من الضروري ولكي لا تتكرر دوامة الحروب ودوامة إعادة الإعمار كل سنتين أو ثلاث أن نركز على المسألة الأساس ونقطة الانطلاق وهي أن معاناة غزة لن تنتهي بشكل كامل إلا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطين.
السيدات والسادة
لقد قامت فلسطين والمجموعة العربية خلال الأسبوعين الماضيين باتصالات مكثفة مع مختلف المجموعات الإقليمية في الأمم المتحدة من أجل الإعداد لتقديم مشروع قرار لاعتماده في مجلس الأمن الدولي حول النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وللدفع بجهود تحقيق السلام. لازلنا نؤمن بالسلام من خلال الشرعية الدولية.
إن هذا المسعى يؤكد للجميع مجدداً التزامنا بتحقيق السلام العادل عبر حل تفاوضي، واعتمادنا الجهد الدبلوماسي والسياسي عبر هيئات الأمم المتحدة، وهذا المسعى يستلهم ويستعير بشكل كامل روح ونصوص عديد القرارات التي وافقتم عليها في الجمعية العامة وتلك التي أقرت في مجلس الأمن والتي حددت أسس الحل الدائم وتحقيق السلام العادل. لن نأتي بشيء جديد كلها قرارات معتمدة.
إن هذا المسعى يطمح لتصويب ما أعترى الجهود السابقة لتحقيق السلام من ثغرات بتأكيده على هدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين، دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلت في العام 1967 الى جانب دولة اسرائيل وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه على أساس القرار 194 كما ورد في المبادرة العربية للسلام مع وضع سقف زمني محدد لتنفيذ هذه الأهداف لا بد من سقف زمني محدد لتنفيذ هذه الأهداف، وسيرتبط ذلك باستئناف فوري للمفاوضات بين فلسطين وإسرائيل لترسيم الحدود بينهما والتوصل لاتفاق تفصيلي شامل وصياغة معاهدة سلام بينهما.
السيدات والسادة
إننا على ثقة أن هذا المسعى سيحظى بتأييد شامل ممن يحرصون على أن لا تشهد بلادنا حروبا وفظائع جديدة، وممن يريدون دعم حملة التصدي للإرهاب، وممن يؤمنون أنه يجب المسارعة لرفع الظلم التاريخي الذي ألحقته النكبة بالشعب الفلسطيني وممن يتوقون لرؤية السلام يحل في أرض الرسالات السماوية.
وستكون المصادقة على القرار تأكيداً على ما أردتموه بأن يكون هذا العام عاماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي سيواصل نضاله وصموده وسينهض شجاعاً وقوياً من بين الركام والدمار، فنحن كما قال شاعرنا محمود درويش: ‘مصابون بداء لا شفاء منه هو الأمل، ونحب الحياة إذا استطعنا اليها سبيلا’، وإذا ما استطعنا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
السيدات والسادة
هناك احتلال يجب أن ينتهي الآن
وهناك شعب يجب أن يتحرر على الفور
دقت ساعة استقلال دولة فلسطين، واعتقد أنكم تستمعون لدقاتها.
وشكراً