“إذا لم تنشر الصورة اعلم ان الشيطان منعك” من منا لم يشاهد هذه العبارة ومثيلاتها يوميا عبر شبكات التواصل الاجتماعي،بغرض الحض على ترويج مادة أو قصص ومآثر وأخبار تدعم رأيا متضمنا في رواية منشورة دون سند يثبت صحتها.
من الملاحظ في تعاطي القارئين لمثل تلك المواد تداولهم إياها على أنها حقائق مسلم بها، ما يمنحها مساحات من الانتشار في ظل سهولة النشر وتبادل المعلومات عبر الشبكات الاجتماعية، التي لا تخضع لضوابط ومعايير أخلاقية تشرف على تطبيقها جهات رقابية أو إرشادية سوى ما تحدده إدارات المواقع ذاتها وفق معاييرها التي لا تستند في أي بند من بنودها على المحاسبة على صحة المحتوى ودقة المعلومة.
ويُجمع المراقبون على أن المساحات المتاحة في شبكات التواصل تشكل أرضية خصبة لاستغلال القارئ من قبل العديد من الجهات وحتى من الأفراد في تمرير أفكار ومعلومات خاطئة لأهداف متباينة.
مشاهدة الأنبياء والمخلوقات الغربية
من بين ألوف القصص والمواد التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تلك القصة المدعمة بصورة لحورية البحر الحسناء التي ظهرت في كثير من الأخبار والإشاعات في تونس أو مصر أو أمكنة أخرى، لتهاجم في إحدى الروايات شخصية أمريكية نجح الحرس الشخصي المرافق لتلك الشخصية من قتلها والتحفظ على جثتها في مركز أبحاث، وحقيقة الصورة المتداولة أنها لقطة لتمثال متقن لحورية حسناء صممه عدد من الفنانين لغايات سنيمائية.
ومن القصص الأخرى التي حملتها صفحات التواصل الاجتماعي صورة ذلك الكائن الغريب المتكون من رأس كلب وجسد عنكبوت، ومطالبات للناس بأخذ الحيطة والحذر منه، في حين أن هذا الكائن لا يعدو سوى كلب يمتكله البولندي سيلسترورديجا الذي ألبسه زي عنكبوت ضخم على سبيل الدعابة.
ومن قصص الحوريات والكائنات الغريبة، يتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي قصصا ومآثر دينية مشكوكا بها يهدف مروجوها لتدعيم مواقف سياسية، ففي مصر على سبيل المثال اعتلى الشيخ جمال عبد الهادي، أحد مؤيدي الرئيس المصري السابق محمد مرسي منصة رابعة، وقال: “إخوانكم شاهدوا سيدنا جبريل، بمسجد رابعة العدوية يثبت المؤمنين المؤيدين لشرعية الرئيس محمد مرسي، ويدعوهم لاستكمال الاعتصام”، فيهلل له المعتصمون فرحين بالنزول المزعوم، معتبرين ذلك نصرًا وتأييدًا لهم.
تلك الروايات ظهرت بكثافة في فترة التحولات السياسية التي مرت بها جمهورية مصر العربية، وخروج الشارع المصري للإطاحة بنظام الإخوان المسلمين.
التضليل ظاهرة ليست جديدة
لا تعتبر فكرة التعاطي مع الأخبار والروايات المثيرة ظاهرة جديدة، بل تطورت ونمت مع أساليب الاتصال المختلفة منذ الأزمنة الغابرة، ومنها الأساطير والخرافات التي كانت تنتشر بين الشعوب بهدف تثبيت حكم ملك على رعيته، أو زعيم على قبيلته، أو لبث الرعب والخوف في قلوب الأعداء، وكلها أساليب كانت في أساسها للسيطرة على عقول الآخرين وضمان تبعيتهم واستسلامهم، سيما في فترة الخرافات التي سادت العالم وأسندت إلى رجال خارقين أو نصوص دينية بثها دعاة الأديان كما كان يحدث في العصور الوسطى على سبيل المثال.
حديثا ساهم نمو الصحافة وتطور السياسة وطرائق الترفيه في تطور أنماط الإشاعة والروايات الخاطئة واستحواذها على حيز من وسائل الإعلام العالمية ضمن أهداف مختلفة.
وفي هذا السياق، يستدل من قصص الأطباق الطائرة، والمركبات الفضائية التي غزت المجتمع الأمريكية فترة طويلة من الزمن على أهداف صانع السياسة الأمريكية من السماح بتمرير تلك القصص بالتزامن مع الأحلام الأمريكية النامية إبان تلك الحقبة بغزو الفضاء الخارجي وتعزيز تفوق وكالة ناسا الفضائية والمنظومة العسكرية الأمريكية بشكل عام.
ولا يتوقف الأمر على الأنظمة أو الحكومات في تضليل الرأي العام واستقطابه، بل استفادت الأحزاب السياسية والدينية باستنادها إلى مصداقيتها في الترويج الدعائي لنفسها مستفيدة من القصص البطولية والدينية، أو الأخبار والروايات الكاذبة التي تلقى استحسان الجمهور أو شرائح من المجتمعات تميل لتصديق رواية دون غيرها وإن كانت غير صحيحة لا لسبب سوى أنها ترضي ميولهم وقناعاتهم.
المنشورات تستقطب للفكرة
بسؤاله عن الموضوع أكد أستاذ الإعلام في جامعة القدس مأمون مطرأن المواد المنشورة لا يتم بثها دون أهداف واضحة، وتكون موجهة لأفراد أو جهات معينة بهدف تشكيل حالة من الرفض لأفكار ما أو لتعزيزها، ولتأليب الرأي العام ضد جهات وتنظيمات أو لدعمها.
وقال مطر: ” بعض الجهات على سبيل المثال تعمد إلى نشر صور وتسجيلات لعمليات قطع للرؤوس والقتل الوحشي بكميات كبيرة، وهذا يجعل طرق القتل الأخرى أكثر بساطة أمام تلك المشاهد ما يجعل المتلقي يعتاد على تلك المناظر، وتعمد تلك الجهات بهذا الأسلوب لتبرير القتل لأنفسهم”.
واعتبر الصحفي بجريدة الحياة الجديدة توفيق العيسى أن المصالح تقف وراء المنشورات المتنوعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي -في حديثه لنا-، وبأن قصص الخرافات والأساطير والمخلوقات الغريبة تأتي في سياقات مختلفة، بعضها بغرض التسلية والسخرية من الآخرين، ولكسب الإعجابات والانتشار بين رواد تلك المواقع.
كما قال العيسى: إن الترويج للفتاوى والأكاذيب يهدف لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية وحزبية تسعى لحرف المجتمع تجاه تلك الأفكار والتمهيد لتطبيق مشاريع سياسية، وما ينطبق على السياسية ينسحب دون شك على الجوانب الاجتماعية والثقافية بغرض تحقيق الاستقطاب والالتفاف حول الفكرة والمشروع.
وشدد العيسى على أن الإشاعات لا تأثير لها سوى بالاتجاه السلبي على المتلقي والمجتمع عموما مستهجنا أسلوب نسب العبارات والتصريحات لجهات أو أشخاص بغرض منحها المصداقية وتكريسها في أذهان المتلقين ومحذرا في ذات السياق من خطورة ذلك على الوعي الجماعي للمجتمعات لاسيما التي ينتشر فيها الفقر والعوز.
دور المتلقي في التعاطي مع المعلومة
يُعتبر التعاطي مع المعلومات المختلفة عاملا أساسيا في نقلها أو إجهاظها بالتفنيد إن كانت خاطئة، ويرتكز هذا السلوك على مدى استجابة المتلقي ووعيه الذي يشكل الفاصلة بين قراره بالاقتناع وتمرير المعلومة أو رفضها وتفنيدها.
وينقسم الجمهور المتلقي إلى نوعين إلى واعِ وبسيط بحسب ما ذكر أستاذ الإعلام “مأمون مطر” الذي قال: إن الجمهور الواعي يمكنه اكتشاف خطأ المعلومات المضللة بسرعة، مقارنة بالجمهور البسيط الذي يحتاج لوقت متفاوت في الاقتناع بكذب المعلومات أو الروايات.
ودعا مطر الجمهور لإخضاع المعلومات والروايات المختلفة للبحث والتحري عن مصداقيتها، وأن تُنشر التفنيدات لكل قصة غير دقيقة تم نشرها، فيكون ذلك ضمانة لبث الوعي وخلق ثقافة التأكد من كل معلومة قبل تبنيها.
زاد نيوز