حكاية الهجرة إلى إيطاليا بعد الحرب !

وكالات – لم يخف اى مواطن بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة ، رغبته في الهجرة خارج القطاع بعد الأيام السوداء التي شاهدها خلال 51 يوما من القصف والدمار والدماء وانقطاع الكهرباء والمياه .

وبعد حصار مميت استمر لثماني سنوات أكل الأخضر واليابس، وبعد حالة البطالة التي تزداد وتستفحل ، شعر بعض الشبان في القطاع بضيق الحال وانعدام الحيلة والإحباط، فتسللت فكرة الهجرة إلى أوروبا إلى عقول بعضهم لإنقاذ أحلامهم ومستقبلهم من تحت ركام الحياة المدمرة في القطاع.

رغبة ولدت نتيجة زيادة الحصار على قطاع غزة وقلة فرص العمل وانعدام لابسط متطلبات الحياة للعيش بكرامة كاى مواطن وخاصة الخريجين ، اسباب ساعدت فى تنامى الفكرة لدى العديد من الشباب الغزى للخروج بحثا عن حياة افضل.

وقد اثارنا الموضوع بعد اعلامنا رسميا من العديد من الاصدقاء فى الدول الغربية بالحاح اصدقائهم من قطاع غزة بضرورة مساعدتهم على الخروج من القطاع ، والمفاجئة الكبرى بوجود شبكة رسمية تتكون من عدة اشخاص تتواجد داخل مصر ، تقوم بتهريب المهاجرين مباشرة من بحر الاسكندرية الى ايطاليا مباشرة فى رحلة يشوبها الخطر دون وجود اى ضمانات للنجاة والوصول بامان .

http://time-egypt.com/Images/article_Images/13198/image1.jpg

ولم استغرب حينما فاجئنى احد الاصدقاء برغبته الحقيقية بالهجرة من قطاع غزة الى اوروبا ، رغم ان حياته ناجحة داخل القطاع وله مصالح لا يمكن الاستغناء عنها ، ولكن سبب خروجه هوالعيش بقية حياته فى امان وهدوء واستقرار بدون خوض أى حروب اخرى .

كما صديق اخر موظف فى صفوف السلطة الوطنية الفلسطينية فى سلك التعليم لم ير اى من طموحاته تحققت خلال السنوات الماضية ، فغادر قطاع غزة بصعوبة خلال الشهر الماضى ليصل قبل ايام الى احدى الدول النامية التى تمنى الوصول اليها سابقا ، كما ينوى الاستقرار فيها سعيا للوصول لحياة افضل .

فلم يتوقع عشرات المواطنين بعد امتلاكهم لمصانع ورأس مال تم تشغيله طوال السنوات الماضية فى الاقتصاد الفلسطينى ، وتجارة خاصة ، ان ينتهى بهم الحال بتدمير مصانعهم خلال الحرب وتوقف العمل وعدم تمكنهم من الاستمرار ، ليقفوا امام ابواب المؤسسات الخيرية طالبا لمساعدة او كبونة غذائية طارئة ، كما حدث مع احد المقاولين فى منطقة الشجاعية فبعد امتلاكه لمصنع ضخم للرخام وتوزيع زكاة ماله خلال شهر رمضان مبلغ كبير ايضا ، ليدمر بيته ومصنع فى لحظة واحدة ويلجأ للنزوح للمدارس وينتهى بحياته خلال شهرين من رجل اعمال الى مواطن ينتظر مساعدة وكبونة غذائية من المؤسسات الخيرية .

وقد قدرت نسبة البطالة فى صفوف العمال بعد العدوان على قطاع غزة ، باكثر من 50% مما يزيد صعوبات فى حياة المواطنين لما يقارب ثلاثين الف عامل ، انضموا الى 170 الف عامل فى قائمة البطالة منذ فترة .

والتقت دنيا الوطن باحد الاشخاص الذين يمتلكون شهادة جامعية مرموقة ، وقد عاد من مصر قبل عدة ايام لاتمام بعض الاوراق الخاصة به قبل العودة ، ” ابو فادى ” هو شاب تخطى الثلاثون عاما بعد حصوله على درجة الماجستير فى احد التخصصات المهمة ، وقد رافق صديقه خلال رحلة هجرة من مصر ، وتركه ليعود لغزة لانهاء بعض الاجراءات الخاصة .

وقال ابو فادى فى حديثنا معه ان الاشخاص الذين شاهدهم داخل مكان تجمع الراغبين بالهجرة من ذوى الشهادات العليا ، ممن درسوا معهم الماجستير والدكتوراة ومن ضمنهم فتيات وبعض الخريجين من قطاع غزة .

http://vid.alarabiya.net/images/2013/10/11/2a678822-16da-4945-91bd-ad74a21ef7f9/2a678822-16da-4945-91bd-ad74a21ef7f9_16x9_600x338.jpg

وفى سرده لبعض تفاصيل ما دار معه برفقة صديقه داخل مصر قال ” تمكنا من الحصول على رقم سيدة تدعى ” ام سليم ” وتقيم فى مدينة الاسكندرية وهى سورية الاصل ، وبعد اتصال طويل معها بعدما ابلغناها اننا من طرف احد الاصدقاء المقيمين فى السويد ، فدعتنا للحضور الى منزلها الخاص فى مدينة 6 اكتوبر ، وتوجهنا اليها وابدينا رغبتنا بالهجرة فى المركب الذى تديره الى ايطاليا ” .

وشرحت ام سليم وهو اسم حركى للتمويه على شخصيتها لعدم الوصول اليها بسهولة له ولصديقه طبيعة عملها ، وقالت ” اتقاضى على الشخص الواحد الذى يرغب بالهجرة 2000 دولار امريكى ، وبعد استلامنا لهذا المبلغ سنقوم باستضافته داخل اماكن خاصة على شاطئ الاسكندرية لغاية ساعة الصفر ” .

وقال ابو فادى لمراسل دنيا الوطن ” خلال جلوسنا فى شقتها شرحت الية السفر والهجرة ، وكانت الهجرة فقط فى بدايتها للاشخاص السوريين الهاربين من الحرب فى سوريا ، وبعد فترة تم السماح من القائمين على التهريب للفلسطينيين بالهجرة ضمن المراكب المتوجهة لايطاليا ، وتغادر بحر الاسكندرية مركب واحدة كل يوم خميس على متنها 300 مهاجر من سوريا وغزة ” .
ويشرف على التهريب ام سليم وهى سيدة اربعينية وشخص اخر مثلها يدعى ابو حمادة ، فيما يدير ابو حمادة التنسيق واستقبال المهاجرين على شاطئ الاسكندرية فى شقة وشاليهات خاصة لتواجدهم ، كما يجلس برفقة مرافقين له لكثرة المهام المنوطة له .

واشار الى ان المركب قد تتأخر يومين او ثلاثة حسب الاوضاع الامنية والمناخ السائد فى يوم الخميس من كل اسبوع ، وعندما طلب ابو فادى من ام سليم ما يضمن لهم صدق النوايا بعد استلامها الاموال ، فأجابته ان الاموال هى رسوم استضافته وماكله ومشربه حتى قدوم وتجهيز المركب للسفر ، وبمجرد استلامها المبلغ ستقوم بايصاله للمخزن الخاص بتجميع المهاجرين ، وقالت انا اتقاضى على ” الراس ” المهاجر 2000 دولار ، ولا اتلقى منهن الا القليل بعد توزيع المبلغ كمنح وهدايا على اشخاص يساعدون فى خروج المركب” .

ونصحته ام سليم خلال الجلسة بحمل شنطة صغيرة فقط خلال السفر و100 دولار ، وعدم حمل اى ملابس لانها لا تلزم خلال الرحلة وقد تنتهى الرحلة بالغرق ولن يتمكن من لبسها نتيجة السفر على المركب ووجود فتيات ، وشراء تمر وشوكولاته وليزر للاشارة لطواقم الانقاذ فى حال الغرق وطوق النجاة ومياه خاصة تباع فى الصيدليات ، عبارة عن علبة صغيرة لكن شربها يغنى عن شرب المياه ليوم كامل خلال الرحلة التى تستغرق ثمانية ايام وصولا لايطاليا .

وبعدما استلمت المبلغ طلبت منه التوجه للمخزن فى الاسكندرية الى رجل يدعى ابو حمادة ، وهناك جلس برفقة مجموعة اخرى من المهاجرين الذين ينتظروا ساعة الصفر للصعود فى المركب وبدء الرحلة ، مع توفير وجبات غذائية طوال فترة الاقامة والتى قد تمتد لعدة ايام حتى اسبوع ، ويتم جمع المهاجرين وحصرهم داخل الشاليهات لحين اكتمال العدد وصولا الى 300 مهاجر ، واقتناص الفرصة المناسبة لانطلاق الرحلة .

وقال ابوفادى انها ابلغتهم ان امكانية غرق اى مركب خلال الرحلة هو امر وارد ، ولكن لم تغرق اى مركب حتى اللحظة من المراكب التى تديرها ام سليم ، وقد تكون الرحلة هى تنقل داخل عدة مراكب داخل البحر ، نتيجة تعطل المركب الاساسية ، وقد يتاخر وصول المركب لعشرة ايام لعدم وجود تقنيات حديثة على المركب تربطه بالاقمار الصناعية ليسير على الطريق الصحيح فى الرحلة .

وقالت له ان بعض الاشخاص الذين يخوضون هذه التجربة لاول مرة يقوم المشرف على الرحلة باعطائه حبوب الترامادول لتهدئة اعصابه داخل اجواء البحر والتعب فى المركب ، كما ان ام سليم ارسلت بناتها الاثنتين للسويد وهى تنتظر ان تنتهى من هذه المهام للالتحاق ببناتها بعد ارسال لم شمل لها .

واشارت فى حديثها ان الاجواء خلال الاشهر القادمة قد تكون سيئة ولا تسمح لرحلات هجرة قادمة حفاظا على اروح المهاجرين ، وتنتهى الرحلة داخل البحر بعد الوصول لشواطئ ايطاليا على بعد عدة اميال حيث يقوم القارب بتسليم المهاجرين الى لجنة الصليب الاحمر المتواجدة فى عرض بحر ايطاليا ، ثم تقوم اللجنة بنقل المهاجرين الى ميناء ايطاليا وتسليمهم الى السلطات الايطالية .

واستغربت ام سليم من ان جميع الاشخاص الذين يرغبون بالهجرة من قطاع غزة هم متعلمين ومثقفين وحاصلين على شهادات متوسطة وعليا ، بعكس المهاجرين السوريين الاميين لان اغلبهم غادر سوريا نتيجة الحرب .

وقالت ام سليم بحسرة انها تقوم بتوزيع المبلغ الذى تجنيه من ال 300 مهاجر على اشخاص ذوى نفوذ فى الدولة يساعدونها على سفر القوارب بنجاح ، فيما تحصل هى على القليل من المبلغ .

وتصادف خلال حديث ام سليم معهم مرور عامل يجمع الخردة والمواد المستخدمة “روبابكيا ” ، فنظرت اليه ام سليم من البلكون ، ثم وجهت حديثها للشباب قائلة ” هذه بلد ينعاش فيها ، روحوا شوفوا حياتكم برا وعيشوا وانبسطوا ” .

ولفتت ام سليم للمهاجرين فى نهاية حديثها ان المبلغ لا يشمل الترفيه ، وان اى مهاجر يجلس داخل المخزن لثلاث او اربع ايام قد يشعر بالملل ، مشيرة لهم انها بامكانها مساعدتهم على جلب ” بنت حلوة ” للاقامة معه وامتاعه فى ايامه الثلاثة داخل المخزن ، ولكن على نفقته الخاصة يعطيها اجرتها كاملة .

http://alifpost.com/wp-content/uploads/PATERA.jpg

وفى حديث اخر نشرته وسائل الاعلام لمهاجر اخر من ليبيا الى ايطاليا حيث قال انه خلال رحلته انطلاقا من ليبيا ، صعد على مركب قديم ومهترئ 350 شخص من عدة جنسيات مختلفة ، ولا تتسع المركب فى حقيقتها الا الى 50 راكب ، وبسبب الازدحان اختل توزان القارب فقلبت مرتين فى عرض البحر ، وتم انقاذهم من طاقم القارب ، وفى المرة الثالثة غدر بهم الطاقم وهرب دون نجدتهم ، وتصادف ذلك بمرور باخرة فى عرض البحر عملت على انتشالهم وتسليمهم للسلطات فى ميناء جزيرة مالطا .

وفى اتصال من اسرة فلسطينية بابنها المفقود منذ عدة ايام دون العودة للمنزل ، وبعدما تمكنوا من الاتصال برفقه ، سمعوا صوتا غريبا على الهاتف ، فعندما سال والده اين ابنه ، فاجابه شخص غريب من هاتف ابنه قائلا: انا صديقه وسيجيب عليك ابنك على هذا الهاتف بعد اسبوع ” .

لم تنل الاسرة من هذا الاتصال الا الحسرة والقلق لعدم فهمها اى كلمة من الحديث ، الا انه بعد اسبوع عاودوا الاتصال ليجيب ابنهم عليهم ويبلغهم انه مقيم حاليا فى ايطاليا بعد هجرته من مصر .

وقد انتشرت خلال الايام الماضية عشرات التحذيرات من الاحزاب الفلسطينية وشخصيات اخرى من هجرة الشباب والعقول الفلسطينية الى اوروبا .

وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انها تتابع بقلقٍ بالغٍ تنامي ظاهرة هجرة وهروب الشباب من قطاع غزة بأعداد كبيرة وملفتة من خلال عمل منظم يستهدف تهجير الشباب، وتقويض صمود المجتمع الفلسطيني.

وقالت في بيان صحافي إن هذه الظاهرة وبغض النظر عن أسبابها ودوافعها، تستوجب العمل السريع والعاجل من الجميع سلطة وأحزاب ومؤسسات للعمل من أجل وقف هذه الظاهرة التي يقف خلفها أشخاص معروفين تمكّنوا من تهريب أعداد كبيرة من الشباب دون تعرضهم للملاحقة أو المسائلة تربطهم علاقة بشبكات دولية.

وقد وصلت الخسائر المادية فى قطاع غزة نتيجة العدوان الى مايقارب 5 مليار دولار |، ودمار 4000 منزل بشكل كامل ، وتدمير اكثر من 20 مسجد والمنشأت الصحية وخدمات الصرف الصحى ومدارس ومستشفيات وجامعات ، واذاعات واسعافات وابراج.

ورفعت هذه الاحصائيات من رغبة الشباب للهجرة وقلة فرص العمل فى المستقبل القريب وعودة الحياة الى طبيعتها فى قطاع غزة