وكالات – أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس محمود عباس والذي أعلن فيها عن تعلقه حتى اللحظة الأخيرة بالمبادرة المصرية وكأنها منزلة من السماء، وحض الفصائل الفلسطينية على قبولها، يثير الاستغراب ويستدعي أسئلة عديدة لدى قطاعات كبيرة لدى الفلسطينيين والمراقبين وحتى داخل حركة فتح الي يقودها عباس.
المبادرة المصرية الحالية لا تتضمن سوى تعديلات طفيفة على المبادرة الأصلية التي فرحت بها “إسرائيل” وتمسكت بها، ورفضت في مقابلها أي مبادرات أخرى بما فيها تلك الأمريكية، أي أن المبادرة المصرية ـ وبكل موضوعية ووضح ـ حققت لإسرائيل ما لم تحققه الوساطات والمبادرات الأمريكية.
على ذلك كيف يمكن أن يقبلها الفلسطينيون ويتمسكو بها؟ فهذه المبادرة لا تحقق المطالب الفلسطينية بقدر ما هي مهجوسة بـ”أمن إسرائيل” وكيفية تحقيقه والحرص عليه، وتعيد تدوير الأمور على ما كانت عليه قبل الحرب، وهي إلى ذلك مليئة بالعبارات الغامضة والضبابية والاشتراطية التي تتيح لإسرائيل تفسير بنودها كما تراها، ومن دون أي إلزام.
فما هو مبرر الرئيس عباس لهذا الارتماء الغرامي لها؟، وماذا بقي في جعبته؟، وما هي “المفاجأة” التي تحدث عنها يوم أمس، وما هو الحل “غير التقليدي” للقضية الفلسطينية الذي سيطرحه و”لن يعجب” الأمريكيين؟
ما الذي يريده عباس؟
في كل بند من بنود المبادرة هناك شرك مقصود أو غير مقصود ويقود إلى تكبيل الفلسطينيين ورهن حياة ما يقارب من مليوني فلسطيني في قطاع غزة بيد الاحتلال الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال تنص المبادرة في بندها الأول: “على عدم تنفيذ إسرائيل “أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين”، معنى ذلك أن “إسرائيل” مسموح لها أن تستهدف غير المدنيين، و”إسرائيل” أساسا تقول ليل نهار إنها لا تستهدف مدنيين، وأن الألفي شهيد الذين ارتقوا في هذه الحرب كانوا عن طريق الخطأ، فهذا البند باختصار يتيح لإسرائيل الاستمرار فيما كانت تقوم به دائما، وهو الاغتيالات المتواصلة عن طريق الجو أو الصواريخ.
في البند الثاني الذي يلزم فصائل المقاومة هناك إسهاب في تعداد ما هو ممنوع عليها وينص على التالي: “تقوم كافة الفصائل الفلسطينية في غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل برا وبحرا وجوا وبناء الأنفاق خارج حدود القطاع في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، مع التأكيد على إيقاف الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين”.
فهل كان الرئيس عباس على وعي تام بهذين البندين؟، أن طريقة فهمه للأمور تختلف على اعتبار أنه يمارس دورا حياديا وأنه ليس طرف في هذه المعركة وهذا الشد السياسي؟
انتقادات داخل فتح
موقف الرئيس عباس بحسب صحيفة “يديعوت احرونوت” اثار انتقادات شديدة داخل حركة فتح لسياسة الرئيس عباس، وتصريحاته التي أدلى بها عقب لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وذكرت الصحيفة أن تصريحات عباس ومواقفه الأخيرة تلقى استياء شديدا داخل أطر حركة فتح القيادية، وقالت “إن العديد من المسؤولين في حركة فتح يعتبرون أن الدعوة لوقف إطلاق النار ثم التفاوض في ظل ميزان القوى الحالي تعني فتح المجال لإملاءات إسرائيل وهو موقف مستهجن من الرئيس الفلسطيني”.
وتقول تلك الأطر في فتح “إن تصريحات عباس تظهره كمحايد لا طرفا في الصراع، وتبين أنه يتبنى الموقف المصري الذي يلقى قبولا إسرائيليا”، معتبرة أن “الدفع باتجاه المبادرة المصرية التي لم تعد قائمة، حيث يدور الحديث عن مطالب فلسطينية رفضتها إسرائيل، يغلق الطريق أمام المقترح الأوروبي لوقف إطلاق النار والذي يتضمن مفاوضات تسوية على أساس حدود عام 1967″.
مفاجأة عباس
من جهة أخرى مصادر صحفية فلسطينية وعبرية متطابقة تحدثت عن أن عباس سيطلب من مجلس الأمن الدولي “تحديد جدول زمني وموعد لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عان 1967″. وقالت تلك المصادر منها صحيفتي القدس المحلية و”معاريف” العبرية “إن الطلب ستتقدم السلطة به فور انتهاء الحرب على غزة”، مشيرة إلى أنه “في حال لم يقبل مجلس الأمن الدولي طلب الرئيس الفلسطيني فإنه سيتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية”.
وقالت تلك المصادر إنه “من المتوقع أن لا يقبل مجلس الأمن طلب عباس وقد تستخدم الولايات المتحدة حق النقض، وهنا يصبح الخيار توقيع معاهدة روما، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، من أجل ملاحقة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية”.
الرئيس عباس يخطئ خطأ جسيما في تشبثه بالمبادرة المصرية، وأخطأ مرتين عندما طالب الفصائل بالالتزام بها عبر الإعلان، لأنه أضعف الموقف الفلسطيني الموحد في مفاوضات القاهرة، وأخطأ الرئيس عباس مرة أخرى عندما ظل يكرر على أن ما نريده هو وقف القتال، طبعا يريد الفلسطينيون وقف القتال ووقف إراقة دمهم لأنهم من يدفع الثمن الباهظ. لكن لا نحتاج إلى براعة فائقة وتشاطر سياسي كبير للقول بأن هذا التصريح في هذه اللحظة الحساسة يضعف الموقف الفلسطيني أيضا.
فما يريده الفلسطينيون الآن وعلى طاولة المفاوضات هو رفع الحصار وضمان حياة كريمة لمليوني فلسطيني في القطاع، حتى لا تظل دماؤهم وحياتهم تراق ولكن ببطء وبعيدا عن أعين الكاميرات، والاحتلال أيضا يريد وقف القتال وهو لا يحب أن يرى صورته ملطخة بالدم الفلسطيني في عيون الرأي العام العالمي، ويريد أن يعود لسياسة القتل البطيء عبر الحصار الذي لا ينتبه له الإعلام.