‘حبر الآن’ فيلم يبحث عن الحياة الجميلة وراء شوارع القتل

راديو موال :الفيلم لا يسرد حكاية بقدر ما يحاول تكثيف الواقع، ليخلق منه طرحه الخاص في لغة بصرية توصل إلى المشاهد وتلامسه.

يترقب الجمهور السوري موعد عرض الفيلم السينمائي القصير “حبر الآن” من تأليف وإخراج المخرج المهند حيدر، وهو الفيلم العاشر ضمن منح دعم سينما الشباب للعام 2014 في المؤسسة العامة للسينما، حيث كان قد أنهى تصويره قبل أيام، باحثا فيه عن شظايا الواقع داخل الإنسان في مجتمع العيش، وكأنه ينتصر للمشاعر وللحياة أمام كل القتل الذي نراه اليوم في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون.

الفيلم وهو التجربة السينمائية الثالثة لحيدر، يسعى بشخوصه، التي تشبهنا فعلا، إلى تقديم حالة مكثفة عن مشكلة معاصرة تعصف بنا من الداخل والخارج، مشكلة بحجم الحرب، استطاعت أن تتعمق فينا إلى ما لا نهاية له، لنصبح بسببها ممزقين، وأرواحنا متعبة، نتطلع إلى المستقبل بخوف وحذر يرافقهما الأمل بكل تأكيد.

بدوره يشرح لنا المهند فكرة العمل، بدءا من العنوان “حبر الآن” فيقول: “قد يبدو عنوان الفيلم إشكاليا، ملتبسا وغامضا. لكن بمجرد مشاهدة الفيلم ستزول هذه الإشكالية. ليس العنوان مفتاحا، إنه حالة.. كما هو الفيلم بالأكمل. فحبر الآن لا يسرد حكاية.

ولا يقدم شخصيات خاصة. إنه يحاول تكثيفنا.. تكثيف حالاتنا وواقعنا ومشاعرنا ولحظاتنا ليخلق منها طرحه الخاص في لغة بصرية توصل إلى المشاهد الإحساس المستمد من إيقاع الحياة الآن. وهو في ذلك يستطيع أن يلامس تقريبا كل من يشاهده، وهذا أكثر ما شغلني في الفيلم. من أسلوبية الكتابة وحتى أسلوبية الأداء والتصوير”.

ويضيف: “وعلى الرغم من أنه يتحدث عنا؛ عن الناس،عن الحياة، الآن هنا. لكننا لا نسمع فيه صوت رصاصة أو انفجار أو حتى كلمة من مفردات هذه الحرب التي تجري على ألسنتنا بكل عفوية، إنه عصارة أحاسيسنا وانفعالاتنا وحزننا وكل ما يضطرم داخلنا دوما في حياتنا اليومية رتيبة الإيقاع، والتي نمارسها كما لو أنه لا يحدث شيء غير اعتيادي، فيما يتمزق داخلنا في شيزوفرينيا غريبة.

 

المهند حيدر يسعى بفيلمه إلى تكثيف حالاتنا ومشاعرنا ليخلق منها طرحه الخاص في لغة بصرية تعكس وتيرة الحياة الآن

هذه الحياة التي تنوص بين لحظات وحالات قصوى من الحياة والموت والحب والضياع والتفاؤل واليأس. وعلى الرغم من أن مثل هذا الحديث قد يجعل المرء يظن أن الفيلم حزين أو متشائم، إلا أنه تماما على العكس من ذلك. فهو ينحاز إلى الحياة وإلى كل جميل فيها”.

من الصور التي وضعها بين أيدينا مخرج “حبر الآن”، يمكننا أن نتلمس بعض الحزن، الكثير من الإشكاليات وبعض الأمل. فالوجوه متعبة ضائعة تبحث عن منفذ، عن متنفس من كل ما هو حولها، حتى من نفسها. الشيء الذي وعلى ما يبدو استطاع أن يجسّده يزن الخليل ورهف الرحبي، حيث أن الفيلم من بطولتهما.

أما في ما يخص الأسلوب الذي اتبعه في تقديمه للمشاهد المتتالية، يؤكد المهند حيدر: “أما بالنسبة للأسلوبية المعتمدة في التصوير فهي مختلفة تماما عن فيلميّ السابقين. إذ أنني لم أرد أن أقدم صورة سينمائية جميلة بقدر ما أردت أسلوبا يخدم الحالة التي أريد للمشاهد أن يعيشها ويتلقاها.

الوجوه متعبة ضائعة تبحث عن منفذ، عن متنفس من كل ما هو حولها، حتى من نفسها

فالتواصل كان الهمّ الأول والجمال كان في المقام الثاني. وهو تحدّ وضعت نفسي فيه، وقد أنجح وقد أفشل فيه. من السهل تقديم صورة جميلة، لكن السينما ليست صورة فقط؛ إنها حالة.. رسالة.. لغة تبنى مع المتلقي. كما القصيدة التي تخترق أحاسيس سامعها، فيشعر بكلماتها في صدره. ولذا فأنا لست مع تقديم أفلام جميلة بقدر ما أنا من أنصار خوض تجارب في مساحات جديدة. طبعا احتمال الفشل هنا وارد، لكن كيف يمكن لنا أن نتطور إن كررنا دائما أنفسنا، وإن لم نضع أنفسنا في تحديات جديدة”؟.

ويذكر أن المهند خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق قسم النقد المسرحي، حيث حصل على درجة الماجيستير الاحترافي في الإدارة الثقافية والإعلام الثقافي من جامعة بول فيرلين في فرنسا، ولديه اليوم العديد من المؤلفات في المسرح والشعر منها: “ضد الحرب” مجموعة شعرية، “العسكر” نص مسرحي، “احتفال خاص بالمسرح” نص مسرحي و”كما لو أني أتيت” مجموعة شعرية.