‘بلدنا الرهيب’ يوميات سجين سياسي انخرط في الثورة عبر الكاميرا

راديو موال :  فاز الفيلم الوثائقي السوري “بلدنا الرهيب”، الذي أخرجه محمد علي الأتاسي وزياد حمصي وأنتجته “بدايات”، بالجائزة الكبرى في مهرجان مرسيليا السينمائي الدولي الأخير.

يحكي الفيلم قصة الرحلة المحفوفة بالمخاطر التي خاضها الكاتب المعارض ياسين الحاج صالح، رفقة المصور زياد الحمصي، ابتداء من مدينة دوما التي تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية، ومرورا بالقلمون والطرق الصحراوية الوعرة، وصولا إلى مدينة الرقة، لينتهي بهما المطاف إلى المنفى المؤقت على الأراضي التركية.

من خلال فيلمهما “بلدنا الرهيب” يتفق زياد حمصي وعلي الأتاسي المقيم في مدينة بيروت أن يعملا معا على إنجاز فيلم عن ياسين الحاج صالح، ومع بداية التصوير في دوما تنشأ علاقة صداقة بين زياد وياسين ويقرر زياد مرافقة صديقه في رحلته الشاقة باتجاه الشمال السوري.

بدءا من المناطق المحررة حول دوما ودمشق وفي طريقهما إلى الرقة، المدينة الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد، وهي أول مدينة تحررت وأصبحت في قبضة الثوار، ولكن فيما بعد استولت عليها قوات الدولة الإسلامية في العراق والشام.

أمضى الكاتب السوري ياسين الحاج صالح ستة عشر عاما سجينا سياسيا، وكان ناشطا سياسيا قبل نشوب الثورة بزمن طويل، التقى ياسين بالمخرج السوري زياد حمصي ذي الثمانية والعشرين ربيعا في دوما، وسويّا رسما يومياتهما، مستخدمين وسائلهما الخاصة، حيث كان حمصي يلتقط بكاميراته خواطر الحاج صالح، وبدوره كان الكاتب يحاول أن يجد الأجوبة لمخاوف وتوقعات المخرج حول الأحداث الجارية في سوريا. تدريجيا لم يعد الحمصي مراقبا بعيدا وراء كاميراته عندما بدأ الحاج صالح يعكس وجهة نظره حول الثورة، ومسيرته فيها، وعن بقاء زوجته سميرة في دوما.

تطوّرت العلاقة بينهما وأصبحا رفيقي درب، وانضمّ إليهما محمد علي الأتاسي ليوثق تطوّر الصداقة بينهما، وفي طريقهم إلى الرقة تبيّن للحاج صالح أن قوات الدولة الإسلامية في العراق والشام استولت على مسقط رأسه وخطفت اثنين من إخوته.

“بلدنا الرهيب” يحكي علاقة جيلين انخرطا منذ البداية في الثورة، وما حملته لهما من آمال وخيبات وانكسار

كانت مشاعره تمتزج بين الشعور بالغبطة لرؤية بعض أفراد عائلته، والعجز بسبب وجود ذلك “الوحش” الرابض في المدينة، أي هؤلاء المتطرفين، إشارة إلى مسلحي “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

بعدها بفترة وجيزة يعتقل هؤلاء حمصي على حاجز في طريقه إلى دوما ويبقى قيد الاعتقال لمدة شهر، بينما يذهب الحاج صالح قسرا إلى تركيا منفيا.

بُعيد وصوله إلى تركيا بفترة وجيزة، يعلم بأن زوجته سميرة ومعها رزان زيتونة وناشطان اثنان في حقوق الإنسان اختطفوا في دوما بـ”مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” حيث يعملون.

اعتقل ياسين الحاج صالح في عام 1980 وكان له من العمر عشرون عاما، وقضى في السجون السورية مدة 16 عاما، رغم ذلك فإن ياسين الذي كان واحدا من بين قلة من المثقفين السوريين الذين واكبوا من الداخل الحراك الثوري السوري منذ بداياته في عام 2011 وبعد سنتين من التخفي في مدينة دمشق اضطر ياسين إلى مغادرتها متوجها مع زوجته سميرة الخليل إلى مدينة دوما المحررة في الغوطة الشرقية. وسرعان ما يجد ياسين نفسه مرغما على الخروج إلى منفاه المؤقت في مدينة اسطنبول التركية.

أما زياد فيعتقله تنظيم “داعش” وهو في طريق العودة جنوبا إلى مدينة دوما، ويمضي ما يقارب الشهرين في السجن، ليخرج بعدها هو الآخر إلى المنفى التركي.

تمّ تصوير هذا الفيلم على مدى عام كامل في عدة مناطق من سوريا وتركيا، وهو يعرض للعلاقة بين جيلين انخرطا منذ البداية في الثورة، كل على طريقته، مع ما حملته لهما هذه الثورة من آمال وخيبات وانكسارات.

ويصوّر هذا الفيلم من خلال مصائر شخصياته لمراحل الثورة السورية من بداياتها السلمية، مرورا بمرحلة التسلح، ووصولا إلى قصف وتدمير المدن من قبل النظام، وظهور التيارات الإسلامية المتطرفة ومحاولة سيطرتها على الثورة.

وعن جذور الفيلم تحدث المخرج علي الأتاسي: «هذا الفيلم ينتمي إلى سينما الطوارئ التي دفعتنا، كمجموعة وكأفراد، لأن نبدأ بإنجاز هذا الفيلم قبل حتى أن نفكر في توزيع الأدوار فيما بيننا، وتحديد من هو المؤلف ومن هو المخرج ومن هي الشخصيات الرئيسية».

وأضاف: «كانت الفكرة في البداية محاولة توثيق حياة ياسين وسميرة في المناطق المحررة، وتواصلت مع الصديق المصور زياد حمصي طالبا منه أن يحاول تصوير جوانب من حياة ياسين الآتي من دمشق للعيش في المناطق الشعبية الثائرة، فقد كانت هناك صعوبة بالغة في أن أصل من بيروت مكان إقامتي إلى ريف دمشق، في حين كان زياد ناشطا ومقيما في هذه المنطقة وقد تحمل وحيدا أعباء التصوير فيها بإمكانيات ومعدات بسيطة».

ينتهي الفيلم بورود خبر اختطاف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي في مدينة دوما على يد قوى إسلامية.