راديو موال – منذ بضعة أيام ونحن نعيش في دوامة إعلامية تتعلق بعملية إختطاف ثلاثة مستوطنين في الخليل، ولغاية اللحظة تتضارب الآراء والتصريحات والتحليلات حول هذه القضية من كل حدبٍ وصوب، وإنشغلت وسائل التواصل الإجتماعي من فيس بوك وخلافه بها، وإنبرت الأقلام، وإتقدت الأفكار والتخمينات والتحليلات والتصريحات، وبات الفرد منا يشعر بأن غالبة الشعب الفلسطيني باتوا قادة سياسيون ومحللون متخصصون في قضايا الصراع الفلسطيني – العربي – الإسرائيلي، بل وأمسى من المتوقع أن يُدلي كلٌ بدلوه بالقضية، حيث زارني صديقٌ لي بالأمس وتطرق الحديث للهم العام، وسألني مباشرة عن وجهة نظري بالموضوع، وتفاجأ من ردي بأنني لم أتبنى موقفاً بعد، وأن الأمر بالنسبة لي بحاجة للوقوف على المزيد من المعلومات والتفاصيل قبل الخُلوص لموقف ما. لم يكن هذا الرد متوقعاً من قبل صديقي في ظل الفتاوي والتحليلات التي تعجُ بها صفحات التواصل الإجتماعي من قبل كُلِ ما هب ودب.
بالطبع أنا لست ضد هذا التفاعل الحيوي والنشط مع القضايا التي تهم الشارع الفلسطيني وتتعلق بحياته اليومية، وقضاياه المصيرية، ولكني لست مع من يُنصبون أنفسهم حماة الديار من وراء شاشات الكمبيوتر والغرف المغلقة، دون إمتلاكهم لأدنى مقومات النضوج السياسي والإلمام الكافي بخفايا وتفاصيل الأمور، أو تمتعهم بتاريخٍ وخبرة نضالية تخولهم ذلك، ويمنحون أنفسهم حق القدح والذم والقذف وحتى التخوين للآخرين بلا حسيب أو رقيب، وعليه فإن تحليلاتهم وآرائهم برأي تندرج تحت مسمى الطابور الخامس، سواءأ عن سابق وعي وإدراكٍ منهم أو عدمه، وذلك لا يخدم بكل تأكيد الصالح العام، بل ويُلحق به أبلغ الأذى والضرر.
تناسى الكثيرون من أولئك بأن القادة الفلسطينيون، ومنذ فقط أيام قليلة، تحدوا كافة الضغوط التي مُورست عليهم في سبيل عدم إتمام المصالحة وإعادة اللُحمة بين شقيّ الوطن، وأنجزوا هذا الإتفاق وشكلوا حكومة الوفاق الوطني التي أُعلن عنها في 2/6/2014. وتناسى هؤلاء أيضاً أن إسرائيل ومن يلف لفيفها لم يرق لهم ذلك، وأنهم بلا أدنى شك وضعوا خططهم الرامية لإجهاض هذه المصالحة ووئد رضيعها، ألا وهو حكومة الوفاق الوطني، في مهده، وبدأت بتنفيذ ذلك بوسائل مختلفة مدروسة ومختارة بعناية فائقة، وبتنا نسمع ونقرأ عن الأثر السلبي لقضية المستوطنين الثلاثة على حكومة المصالحة وإمكانية إستمرارها.
وهنا أقول هل نكون نحن أيضاً من ضمن هذه الأدوات والمعاول التي تحاول هدم هذا الإنجاز الوطني الذي كنا نطمح لتحقيقه منذ سبعِ سنينٍ عجاف، أرى بأن نُعطي القوس لباريها من أهل السياسة والحل والعقد لدينا، دون أن نتخلى عن دورنا وحقنا الرقابي عليهم ولكن ضمن الأُطر المشروعة، حمايةً لمشروعنا الوطني والأنجازات التي حققناها على مختلف الأصعدة، بالرغم من محدوديتها، وأن لا نعطي العدو الإسرائيلي الفرصة التي لطالما تمناها بإعادتنا إلى نقطة البدايات في كل شيء، في ظل التعاطف الأممي غير المسبوق مع قضيتنا ومطالبنا العادلة، وظروف العزلة والحصار التي يعيشها خصمنا دولياً.