نشر في 2014/05/26
راديو موال :في هذه الكنيسة التي يُجلها كل مسيحي كل الاجلال، أُتوج رحلة الحج هذه التي بدأتها مع أخي وحبيبي في المسيح، صاحب الغبطة البطريرك برثلماوس. وهي رحلة نمشيها على خطى سلفَينا الموقرَين البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس اللذين بشجاعة وبتسليم تام للروح القدس قد عقدا منذ خمسين عاماً في مدينة القدس المقدسة لقاء تاريخياً جمع بين بابا روما وبطريرك القسطنطينية.
أتوجه إليكم، انتم الموجودين هنا اليوم، بتحية من القلب وأخص بالشكر صاحب الغبطة البطريرك ثيوفيلوس الذي رحب بنا بكلامه الطيب و غبطة البطريرك نورهان الأول مانوغيان والأب الموقر بيير باتيستا بيتسابالا لمسامتهم في جعل هذا اللقاء ممكنًا.
إنها لنعمة استثنائية ان نلتقي هنا للصلاة. فمن هذا المكان، من التابوت الفارغ، هذا القبر الجديد الواقع في الحديقة وحيث وضع يوسف الرامي جسد يسوع باخلاص شديد اُعلنت القيامة: “لا تخافا أنتما. أنا أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. إنه ليس ههنا. فقد قام كما قال. تعاليا فانظرا الموضع الذي كان قد وُضع فيه واسرعا في الذهاب الى تلاميذه وقولا لهم: إنه قام من بين الأموات.” (متى 28، 5 – 7).
إن هذا الإعلان الذي أكد عليه كل من ظهر عليهم الرب القائم من بين الاموات هو جوهر رسالة المسيحية المنقولة باخلاص من جيلٍ الى جيل على النحو الذي يؤكد عليه الرسول بولس منذ الايام الأولى: ” سلمتُ إليكم قبل كل شيء ما تسلمته أنا أيضاً، وهو ان المسيح مات من اجل خطايانا كما ورد في الكتب وأنه قبر وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب.” (الرسالة الأولى الى أهل قورنتس 15، 3 – 4). هذا هو أساس الإيمان الذي يجمعنا وهو الإيمان الذي بفضله نبشر معاً بأن يسوع المسيح، ابن اللّه الوحيد وربنا الوحيد “الذي صلب عنا على عهد بيلاطس البنطي وتألم ومات وقبر وقام في اليوم الثالث.” وكل واحد منا، كل من تعمد بالمسيح، قد قام بالروح من هذا التابوت لأننا بالمعمودية اندمجنا جميعنا بمولود الخليقة الأول فاتحدنا معه لنقوم معه ونحيا حياة جديدة. (مراجعة الرسالة الى أهل رومة 6، 4).
دعونا نستقبل النعمة الاستثنائية التي ترافق هذه اللحظة. فلنقف إزاء القبر الفارغ بخشوعٍ واحترام لكي نعيد اكتشاف عظمة دعوتنا المسيحية: فنحن رجال ونساء الرجاء لا الموت. فلنتعلم، من هذا الموقع، ان نعيش حياتنا وآلام كنائسنا والعالم على نور فجر الفصح. فكل جرحٍ وكل ألم وكل معاناة حملها الراعي الصالح على كتفَيه، هو الذي قدم نفسه وفتح لنا بتضحيته طريق الحياة الأبدية. إن جراحه المفتوحة هي الطريق الذي يصب من خلاله على العالم سيل رحمته. فلنحافظ على أساس رجائنا ولننقل للعالم خبر القيامة السار! ولنفتح آذاننا لدعوة الوحدة القوي الذي يتردد صداه في هذا المكان بالذات من خلال كلمات الذّي بعد قيامته يدعونا جميعًا “اخوةً” له. (مراجعة متى 28، 10 ويوحنا 20، 17).
لا يمكننا تجاهل الانقسامات التي لا تزال قائمة بيننا، نحن تلاميذ المسيح ويجعلنا هذا المكان المقدس بالذات نستشعر هذه المأساة بألم أكبر. لكن، وبعد خمسين عامًا على عناق هذَين الآبَين الموقرَين، نعترف بامتنان ودهشة متجددة كيف أنه من الممكن ان نخطو خطوات كبيرة باتجاه الوحدة بإالهام من الروح القدس. ندرك ان الطريق لا يزال طويلاً أمامنا للوصول الى هذه الوحدة الكاملة التي قد تترجم أيضا بما نتوق إليه أي مشاركة طاولة الافخارستيا نفسها إلا ان الاختلافات لا يجب ان تُخيفنا وان تُعيق مسيرتنا.
فعلينا ان نؤمن أنه كما دُحرج حجر القبر، هكذا قد تُزال كل العوائق التي لا تزال تمنع وحدتنا التامة. هذه هي نعمة القيامة التي يمكننا ان نتمتع بها مسبقا منذ الآن. فكل مرة نطلب فيها المغفرة من بعضنا البعض وفي كل مرة نتسلح بالشجاعة للمغفرة والحصول على المغفرة، نختبر القيامة! وفي كل مرة نتخطى الأحكام القديمة ونتحلى بالشجاعة لتعزيز علاقات أخوية جديدة، نعترف بأن المسيح قام حقا! وفي كل مرة نفكر في مستقبل الكنيسة انطلاقاً من دعوتها في تحقيق الوحدة، يلمع نور فجر الفصح! وفي هذا الصدد، أود ان أعرب مرة جديدة عن الرغبة التي أعرب عنها أسلافي والداعية الى المحافظة على الحوار مع كل الأخوة في المسيح لإيجاد اطار لممارسة بابا روما مهامه فينفتح وفقا لرسالته على حالة جديدة ويُصبح، في السياق الحالي، خادم حب وتلاق يعترف به الجميع (مراجعة يوحنا بولس الثاني الرسالة البابوية، ليكونوا واحد).