راديو موال – رحب الرئيس محمود عباس بقداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس الاول بمناسبة زيارته الى الارضي الفلسطينية حيث وصل مدينة بيت لحم قادما من الاردن على متن مروحية اردنية في حوالي الساعة التاسعة من صباح الاحد، حيث قال الرئيس عباس في الكلمة التي القاها في حضرة البابا في مقر الرئاسة بالمدينة انه لشرف كبير أن نستقبلكم يا قداسة البابا اليوم في مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح عليه السلام، هذه الأرض المقدسة والمباركة ، حيث تحلون ضيفاً عزيزاً على شعبنا في مدينة بيت لحم والقدس الشرقية، فزيارتكم اليوم تكتسب كل الدلالات الرمزية، التي يحملها اسمكم وشخصكم وقداستكم، كمدافع عن الفقراء، والمظلومين والمهمشين وتدعون للسلام، وأنتم تزورون في حجيجكم فلسطين أرض المحبة والسلام”.
واضاف في كلمته على انه سعد جداً بالاجتماع مع قداسة البابا فرنسيس، والاستماع لآرائه الحكيمة، ورؤيته الإنسانية الثاقبة، فزيارة قداسته إضافة لما لها من معانٍ سامية في نفوسنا وأبناء شعبنا، فهي زيارة تاريخية نعتز بها في إطار علاقات الصداقة والترابط الروحي والديني، التي تجمع بين فلسطين والفاتيكان، والتي نطمح دوماً لتعزيزها، فالأرض المقدسة هي وجهة مئات الملايين من المؤمنين، وهي تمثل نموذجاً فريداً يحتذى في التعايش، في إطار من الوئام والأخوة والمساواة في الحقوق والواجبات.
وتطرق الرئيس الى ما آلت اليه العملية التفاضية مشيرا الى انه اطلع قداسة البابا على العثرات والعراقيل التي تعترض سبيلها، وعلى رأسها الاستيطان، والاعتداء على دور العبادة من كنائس ومساجد وبشكل يومي، وكذلك الاستمرار في احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، الذين يتوقون إلى الحرية، ويخوض في هذه الأيام عدد كبير منهم إضراباً عن الطعام منذ أكثر من ثلاثين يوماً، بسبب سوء المعاملة والاعتقال دون صدور أحكام تحت مسمى الاعتقال الإداري”.
واتهم الرئيس عباس الجانب الاسرائيلي بانه المسؤول عن نزيف الهجرة التي تعاني منها الاراضي الفلسطيني وخاصة في مدينة القدس واصفا ما تواجهه من ممارسات بالوضع المأساوي والمتمثل من عمل إسرائيلي ممنهج لتغيير هويتها وطابعها، والتضييق على أهلها من الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، بهدف تهجيرهم منها ومنع المؤمنين من خارجها من الصلاة في معابدها، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى التوقف التام عن هذه الأعمال التي تخالف القانون الدولي، وقال “لقد أدت هذه الممارسات الإسرائيلية إلى هجرة الكثير من أهلنا من المسيحيين والمسلمين، والذين نحرص على بقائهم وانغراسهم في أرضهم أرض الأجداد. وإننا على استعداد لأن نعمل سوياً لتعزيز الوجود الفلسطيني المسيحي الأصيل في الأرض المقدسة وخاصة في القدس”.
وهاجم الرئيس عباس جدار الفصل العنصري الذي شاهده البابا اثناء تحركه واصفا اياه بانه جدار بغيض تقيمه إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على أراضينا، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى بناء جسور التواصل والحوار والجوار الحسن، والبعد عن كل ما من شأنه أن يزرع بذور الكراهية والحقد والعداء، فنحن شعب يتطلع للعيش بحرية وكرامة وسيادة على ترابه الوطني، بعيداً عن حراب الاحتلال.
وقال “نحن لا نطلب المستحيل سيدي، ولقد قدمنا تضحيات جسام من أجل السلام، وقبلنا بإقامة دولة فلسطين المستقلة على الأرض المحتلة منذ العام 1967 فقط وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب دولة إسرائيل في أمن واحترام متبادل وحسن جوار”، مشددا بان السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير نحن ملتزمون بالمبادرة العربية للسلام، وبمجرد انسحاب إسرائيل فإن كل الدول العربية والإسلامية ستعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية فورا”.
وتوجه الرئيس بشكر البابا على لقائه بأطفال وأبناء مخيمات اللاجئين الذين يعيشون مأساة وعذابات التشريد واللجوء، الذي فرض عليهم قسراً وقهراً جراء النكبة منذ أكثر من 66 عاماً، كما قدر قيامه ، كما عبر عن تقديره بقيامه بمشاركة طاولة الغداء مع عائلات فلسطينية، تمثل شرائح من مجتمعنا الذي يعاني و يرزح تحت الاحتلال، فهذا اللقاء يبعث برسالة إلى العالم بأسره، مذكراً إياه بمأساة فلسطين.
من جانبه عبر قداسة البابا عن امتنانه لحفاوة الاستقبال التي حظي بها في الاراضي الفلسطينية شاكرا الرئيس على كل هذه الجهود معبرا عن فخره لوجوده في هذه الارض المقدسة وشاركا الرب على اتاحته لهذه الفرصة بالوجود في المكان الذي ولد فيه السيد المسيح ، وقال “ان الشرق الأوسط يعيش منذ عقود النتائج المأساوية، لاستمرار صراع سبّب جراحا كثيرة يصعب تضميدها، وعنفا مستشريا، وانعدام التفاهم بين الأطراف، وحالة من انعدام الأمن ونكران الحقوق والعزلة، ونزوح جماعات برمتها، وانقسامات واحتياجات، وآلاما على اختلاف أنواعها، مشددا الى انه
آن الأوان لإنهاء هذا الوضع، الذي لم يعد مقبولا وهذا من أجل خير الجميع، لتضاعف الجهود والمبادرات الهادفة لخلق الشروط اللازمة لسلام مستقر، يرتكز على العدالة والاعتراف بحقوق كل شخص، وإلى الأمن المتبادل لقد آن الأوان بالنسبة للجميع كي يضعوا شجاعة السخاء والابتكار في تصرف الخير، شجاعة السلام التي ترتكز على إقرار الجميع بحق الدولتين في الوجود، وفي التنعم بالسلام والأمن، ضمن حدود معترف بها دوليا.
معربا عن تمنايته “للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وللسلطات من الجانبين، السير نحو السلام حاملين ما تتطلبه هذه المسيرة من شجاعة وحزم، سيصير السلام في الأمن والثقة المتبادلة إطارا مرجعيا ثابتا، من أجل مواجهة وحل المشاكل الأخرى، وتقديم فرصة من النمو المتزن، بشكل يصبح نموذجا بالنسبة لمناطق أخرى تشهد أزمات.
ووصف الرئيس عباس بانه رجل سلام وصانع سلام، وقال “ان وجودي اليوم في فلسطين يشهد على العلاقات الطيبة القائمة بين الكرسي الرسول ودولة فلسطين، والتي آمل أن تنمو من أجل خير الجميع، في هذا السياق أعبر عن تقديري للالتزام الهادف إلى التوصل لاتفاق بين الأطراف، تتعلق بمختلف نواحي حياة الجماعة الكاثوليكية في البلاد، مع إيلاء اهتمام خاص بالحرية الدينية.
إن احترام هذا الحق الإنساني الأساسي يشكل في الواقع أحد الشروط الضرورية التي لا غنى عنها، من أجل إحلال السلام والأخوة والتناغم، ويقول للعالم إن التوصل إلى اتفاق جيد بين مختلف الثقافات والأديان، أمر واجب وممكن، ويشهد على أن القواسم المشتركة بيننا كثيرة وهامة، وبالتالي يمكن إيجاد الدرب والتعايش الصافي والمنظم والسلمي، في إطار قبول الاختلافات، وفرح بأن نكون إخوة لأننا أبناء الله الواحد.
وتطرق الى وضع المسيحيين في الاراضي المقدسة حيث قال أن للجماعة المسيحية الناشطة التي تقدم إسهامها القيّم للخير المشترك، ضمن المجتمع والتي تشارك في أفراح وأتراح الشعب كله، المسيحيون يرغبون في متابعه دورهم هذا كمواطنين يتمتعون بكامل الحقوق بالتعاون مع المواطنين الاخرين الذي يعتبرونهم إخوة لهم”
وصل قداسة البابا فرنسيس الاول الى بيت لحم حيث كان في استقباله بمهبط الطائرات بجبل انطون المطل على مخيم الدهيشة كوكبه من المسؤولين ورجال الدين من بينهم الدكتور رمزي خوري وحنا عميرة مسؤول اللجنة الرئاسية للشؤون المسيحية، والمهندس زياد البندك مستشار الرئيس للشؤون المسيحية.
وبعد ذلك جرى له استقبال حافل عند حوالي الساعة التاسعة والربع في مقر الرئاسة من قبل الرئيس ابو مازن وسط حفاوة شديدة حيث قابله الرئيس لدى نزوله من السيارة بالاحضان ، وبعد ذلك جرى عزف النشيدان الوطنيان لكل من الفاتيكان وفلسطين ، ليستعرضا حرس الشرف الذي اصطف في استقبال قداسة الحبر الاعظم
هذا وقد حرص قداسة الحبر الاعظم لدى مصافحتة كبار مستقبليه في ساحة مقر الرئاسة بمدينة بيت لحم ان يتبادل اطراف الحديث مع كل شخصية شاركت في الاستقبال حيث بدأ بمصافحة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله، كما شارك في الاستقبال كلا من الدكتورة حنان عشراوي والدكتور صائب عريقات والدكتور رياض المالكي وزير الخارجية ورولا معايعة وزيرة السياحة والدكتور حسين الشيخ ومحافظ القدس عدنان الحسيني ومحافظ بيت لحم عبد الفتاح حمايل، والدكتور احمد الطيبي عضو الكنيست الاسرائيلي ، كذلك رؤساء بلديات المدن والبلدات من المحافظة.
ولدى المصافحة على رئيسة بلدية بيت لحم فيرا بابون بادرت باحتضانه وتقبيله حيث بادلها ذات الشعور في اشارة الى انه يعرفها، كما لوحظ ان حشد من رجال الدين كانوا في استقبال قداسة البابا وعلى راسهم مفتي الديار المقدسة الشيخ محمد حسين، وبطاركة الطوائف المسيحية المختلفة.
فيما قام الرئيس ابو مازن بمصافحة كبار مرافقي قداسة البابا من رجال الكنيسة الكاثوليكية وكان من بينهم غبطة البطريرك فؤاد طوال بطريرك اللاتين في الاراضي المقدسة الذي حضر بمعية قداسته من الاردن.
وبعد القاء الكلمات توجه الموكب البابوي الى ساحة المهد لتراس القداس الالهي المنتظر هناك عبر سيارة مكشوفة حيث سارت ببطء في الشوارع الرئيسة بدءا من محيط مقر الرئاسة ومرورا بشارع القدس الخليل، ومحيط دوار القبة وصولا الى كنيسة المهد وقد حيث زحف المؤمنون من كل انحاء فلسطين التاريخية الى بيت لحم وقد حرص قداسة البابا على توجيه التحيات بيديه الى الالاف من المواطنين والحجاج الذين اصطفوا على جانبي الطرق لمشاهدة البابا، ولدى وصوله الى ساحة المهد حيث دخلها بسيارته وتجول بها لنحو دقيقتين ليصافح بعض المتواجدين في الساحة حيث قدر عدد الحاضرين للقداس اكثر من عشرة الاف مؤمن من مختلف انحاء فلسطين التاريخية ، وقد سارت امور القداس بانتظام شديد ومن دون ان يسجل اية ظواهر سلبية، وقد تنوع الحضور وهم من مختلف الفئات العمرية والقطاعات المختلفة فكان من بينهم كبار سن ونسوة واطفال ومعاقين ، وقد رفرت الاعلام الفلسطينية بكثافة وكذلك اعلام الفاتيكان واعلام عدد من الدول العربية والدول الاوروبية، ولوحظ مدى النظام والترتيب في الساحة اضافة الى مدى الفرح المنتشر بين المواطنين ، ومن بين ما تميز به القداس هو الصليب الذي حمله قداسة البابا في يده حيث امتاز بالبساطة وقد صنع من خشب زيتون مدينة بيت لحم، وبساطة الصليب الذي مسكه البابا اثناء القداس انما يعبر عن مدى تواضع البابا ذاته الذي قال امام الجماهير المحتشدة” اعترف بسر الاعتراف ، اعترف لله القادر على كل شيء”.
وفي عظة القداس تحدث قداسته عن ضرورة الاهتمام بالاطفال وقال”انه فيما اذا كان هناك اهتمام بالاطفال وبشكل سليم فان العائلة ستكون سليمة والمجتمع سيكون مجتمعا سليما ، وبالتالي نكون امام عالم سليم”.جاء في عظته وموجها حديثه بالقول “ابحثوا عن طفل بيت لحم فهو ضعيف ككل طفل يولد حديثا فلا يستطيع ان يتكلم فهذا الطفل بحاجة الى رعاية وحماية ويحتاج الى من يدافع عنهم منذ وجودهم في رحم امهاتهم”.
“للاسف في هذا العالم الكثير من الاطفال يعيشون في واقع غير انساني وعلى هامش المدن الكثير من الاطفال يتم الاساءة لهم ويخضعون للعنف، وهناك اطفال غرقوا في البحر المتوسط اثناء رحلتهم الى اوروبا ونحن نخجل امام الله لما يحدث لهم “، وقال متسائلا ” من نحن امام الاطفال هل كمرميم ويوسف الذين حنوا على الاطفال واهتموا بهم وكالرعاة الذين سجدوا امام طفل المغارة، ام مثل هيريديوس الذي يريد ان يقضي على الاطفال ، ام نحن غير مبالين هل نكتفي بالكلام او نسكت امام من يستغل الاطفال بهدف الربح او المتاجرة في اعضائهم ، انكم ستجدون طفلا ربما يبكي لانه جوعان او عطشان او يفتقر الى الحنان ، هناك الكثير من الاطفال يبكون كثيرا وبكائهم لا يحركنا في عالم يبذر كثيرا من الاكل والخيرات في حين اطفال يموتون من الجوع ومن الامراض في عالم يتاجر بالسلاح من اجل المال ، وربما هذا السلاح يقع في ايدي الاطفال”.
هذا وقد حرص الرئيس محمود عباس من حضور القداس الالهي في ساحة المهد.