هل سيكون رئيس بلدية اكبر ولاية امريكية ..عربي؟

راديو موال – التاريخ ممكن دائما في أميركا… بهذه الكلمات يرد المرشح أنس شلال المعروف في واشنطن باسم آندي على سؤالي..

هل تعتقد أن بلدية واشنطن باتت جاهزة لإحداث حالة تاريخية غير مسبوقة في مسارها بانتخاب أول رئيس من أصول عربية مسلمة لعمودية بلديتها؟

يعرف الرجل صعوبة الطريق، ليس لأنه غير ممكن بل لأن شروط النجاح ترتبط بأدوات لم تتوافر لديه في ساعات بدء حملته الانتخابية، لكن يقينه الآن كبير جدا بإمكانية إحداث تلك الحالة التاريخية.

مستندا إلى ابتسامة ناعمة وهادئة وإلى ملامح شرقية حميمة وعميقة في قدرتها على التواصل، ومتخذا من معرفته العميقة بثقافة الحياة الأميركية أداة في الحوار إلى الآخرين، ومملوءا بقناعة عميقة تسكن كيانه بالكامل بألا سقف للحلم فوق أرض أميركا..

هذا هو التوصيف الذي انتهت إليه مفرداتي وأنا أتابع خطو الرجل المتنقل من مكان إلى آخر في العاصمة واشنطن متحدثا إلى الناخبين عن برنامجه الانتخابي وعن خطته لجعل واشنطن المدينة الأفضل للحياة في أميركا.

قبل 50 عاما من هذا التاريخ وصلت عائلة شلال إلى واشنطن قادمة من بغداد.

الوالد كان يطمح إلى دراسة جامعية في جامعات الولايات المتحدة مصطحبا في رحلته تلك الزوجة والولد البكر قبل أن تأخذ الحياة خيارا مختلفا عن المتوقع بجعل واشنطن هي مكان الحياة وليس مجرد مدينة للعبور له ولأطفاله.

في الجزء الشمالي من منطقة واشنطن الكبرى كبر الطفل أنس مع شقيقه ياسر، وفي ظل رعاية كاملة من طرف العائلة العراقية القيم ونمط الحياة، تتلمذ في مدارسها الحكومية. لكن بين تلك الرحلة الأميركية والروح العربية التي تسكن جسده اختار الشاب اليافع أن يجعل من النشاط السياسي أسلوبا لحياته.

يقول لي أنس عن ذلك إنه وجد في العمل السياسي أفضل الوسائل للتعبير عن ذاته ولتحقيق رغباته في الحياة خارج الذات وتقديم المساعدة التي يستطيع توفيرها لبلد ومجتمع أعطاه فرصة الحياة الكريمة وأعطاه أيضا أفضل فرص التعليم الممكنة في الحياة.

في مدارس شمال فرجينيا المحاذية لواشنطن بدأ أنس رحلة الخدمة العامة لمجتمعه من خلال العمل التطوعي في هيئات المدارس الحكومية.

كبر الرجل في المدينة وأطلق لساقيه فرصة الركض في مؤسساتها ومؤسسات الحزب الديموقراطي..

في كل مرحلة من العمر يتسع الأفق من حوله ويتسع الطموح في ذاته إلى غاية الاقتناع أخيرا بإمكانية تحقيق نجاح يتجاوز حدود الذات إلى بناء تجربة إنسانية رائعة ستشكل مرجعا عميقا لكل المهاجرين العرب إلى أميركا، وأبنائهم المواليد فوق الأراضي الأميركية.

في تلك القناعة يتشارك أنس مع شقيقه البكر ياسر..

وأنا اتحدث إلى ياسر في مساء خصصه مرشح واشنطن للحديث إلى الأميركيين العرب في مركز الحوار العربي الأميركي بشمال فرجينيا.. في ذلك المساء كان ياسر يحرص على توزيع الفكرة التي تملأ كيان العائلة العراقية الأميركية بين الحضور.

تقول الفكرة إن العرب الأميركيين بات من حقهم الآن تحقيق النقلة النوعية في وجودهم الاجتماعي والسياسي وإن الغاية الأساسية من تجربة أنس السياسية هي فتح هذه النافذة واسعا أمام أبناء العرب المهاجرين والتأكيد بالممارسة الواضحة أنه لا سقف لأحلامهم في أميركا.

أعود إلى مربط السؤال في بداية لقائي بأنس وشقيقه وجمع العرب الأميركيين المستمعين إلى المداخلة التي تتحدث عن العقبات والحلول لتحقيق طموح أول رئيس عربي لبلدية واشنطن.

التاريخ ممكن دائما في أميركا، يصر أنس على إعادة إسماعي قناعته الأكيدة، وعندما أراد أن يوضح لي الفكرة يقول: عد بالتاريخ إلى ما قبل الثماني سنوات الماضية عندما ظهر نجم باراك أوباما السياسي في المشهد القومي الأميركي..

كانت الفكرة حينذاك التي تسيطر على كل العقول هي أن أميركا ليست جاهزة بعد لتقبل فكرة وصول أول رئيس من أصل إفريقي إلى سدة البيت الأبيض.

هناك عوامل التاريخ، وهناك الكثير من الحواجز النفسية التي يصعب التكهن بإمكانية تجاوزها في تلك المرحلة من التاريخ.

قلة جدا من الناس، كان أنس بينهم، صدقوا أن أميركا سوف تنتخب أوباما، ليس بسبب خلفيته العرقية أو الدينية، وليس بسبب قصته الأميركية بامتياز إنما لأن أوباما يملك كل صفات الرجل القادر على إعادة إلهام الأميركيين وإحياء مشروع الحلم الأميركي ليس فقط في أميركا وانما في كل العالم من وراء ذلك.

ثماني سنوات من بعد نجاح الرئيس أوباما في إحداث ذلك الاختراق التاريخي … يحاول أنس من جانبه وهو الشاهد على تلك الرحلة الانتخابية الطويلة المسار والمزدحمة التفاصيل أن يكررها بصيغة أخرى في موقع آخر.

الموقع الذي يقصده أنس في حلمه ورحلته هذه المرة هو عمدة واشنطن ليكتب بذلك تاريخا مزدوجا في واشنطن.. تاريخ في شقه الأول وجود أول رئيس للبيت الأبيض من أصل إفريقي وفي شقه الآخر أول رئيس لبلدية واشنطن من أصل عربي مسلم.

هذا هو الحلم الأميركي، يقول أنس لأنصاره من سكان العاصمة الفيدرالية، بل ويضيف أنه إذا لم تتسع أميركا لأحلام أبنائها فلا مكان في العالم يمكن أن يسع أحلامهم ورغبتهم في تحقيق الأفضل في حياتهم وفي حياة الإنسان بصورة عامة.

يقول أنس لسكان واشنطن إن فارقا قائما بين شطري المدينة الشمالي والجنوبي حيث يتوزع في الشمال الجزء الأكبر من الثروة وفرص الحياة الأوفر والأفضل والأوسع وتنحصر في الجنوب فرص العمل والحياة بين سكان هذا الجزء.

يقول أنس عن حلمه في تحقيق التوازن المفقود بين الجهتين من خلال تطوير برامج التعليم في الجنوب وتطوير المهارات وتحسين الخدمات وجعل واشنطن مدينة يتمنى كثير من الأميركيين الحياة فيها ليس لأنها عاصمة البلاد الفيدرالية بل لما ستوفره من فرص أفضل لتحقيق الذات والأحلام بين ساكنيها.

أنس وأنا أسأله عن مدى قوة قصته الشخصية في إنعاش آمال الشباب العرب الحالمين بالتغيير وبتكافؤ الفرص في الحياة وهم ينزلون إلى الشوارع في مختلف العواصم العربية أملا في رؤية وطن عربي ينتصر لقيم العدالة والمساواة في توزيع الثروة والمداخيل القومية.

قال لي .. قلبي يقف مع أولئك الشباب الحالمين بالغد الأفضل لهم ولأولادهم القادمين.. في المنطقة العربية التي لا يزال يحملها في قلبه جدا.. تنعدم أو تكاد هذه القيم التي تحكم الدولة الحديثة، لكن هذا الجيل قرر أن يصنع طريقه بنفسه ولذلك يجد أنس في قصته الإلهام الذي سيساعد هؤلاء الشباب على الإيمان أكثر من أي وقت سابق بحقهم في التغيير وفي بناء أوطان جديدة تتسع لكافة أحلامهم وتستطيع أن تحقق أحلامهم في حياتهم وفي حياة أبنائهم الموجودين أو القادمين.

يجدد لي أنس يقينه بأنه قادر على إحداث السبق التاريخي في واشنطن ويقول لي إن يقينه يعتمد على ذلك القبول الذي يجده بين سكان العاصمة وعلى تلك القيم التي يتشارك فيه هؤلاء من أنصاره ومنافسيه، مشيرا إلى أن أكبر قدر من التبرعات لحملته جاءه من تنظيمات ليهود العاصمة واشنطن، وفي ذلك إشارة عظيمة، يؤكد لي المرشح العربي الأميركي لعمودية واشنطن على أن التغيير لا يجب أن يحدث فقط على مستوى الصورة السياسية في المدينة إنما إيضا في الذهنيات والأفكار التي بإمكانها أن تشكل مركزا أوليا للتلاقي الإنساني والتعايش والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع الأميركي وفقا لقاعدة إن الأفضلية للأفكار القادرة على الدفع بحياة الناس إلى الأفضل دوما.

عندما ودعت أنس كان الليل قد احتوى واشنطن بالكامل، وعند عودتي إلى بيتي في نهاية مسار طريق استمر لساعة من الزمن وقليل، حدثت أطفالي عن قصة أنس وحظوظه الكبيرة في إحداث سابقة في تاريخ أميركا بوصوله إلى عمودية واشنطن بخلفيته العربية المسلمة تماما كما كان التاريخ مع الرئيس باراك أوباما.

الغريب أني وجدت أطفالي يقولون لي أيضا إن التاريخ ممكن دائما في أميركا.


المصدر- دنيا الوطن