راديو موال- بقلم مايك سلمان- كان عند جحا حمار يرافقه في الحِل والترحال، وكان يستخدمه في حرث أرضه وفلاحتها، ويستغله لنقل البضاعة بين الأزقة والأحواش القديمة الضيقة، و بالمقابل كان جحا يستوفي أجراً يوفر له الحد الادنى من العيش الكريم ويكتنز منه أيضاً القليل من المال. وفي أحد الايام جلس جحا في خلوة مع ذاته واستعرض ما بلغت اليه الظروف والاحوال.
فتحدث في نفسه وقال: نحن في زمنِ التطور والازدهار، وأنا اراوح مكاني ولا أزال متواضع الحال!!! لماذا لا الحق بركب التطور والحضارة وانا كهلٌ وفي قمة عطائي لا أزال؟! لماذا لا اسعى الى تطوير وضعي فألحق بركب الزمان وغرَّة الاعمال؟! لماذا لا أبيع حماري وأقتني بدلاً منه سيارة شحن صغيرة اشتغل عليها فتُدِر علي دخلا كبيراً وأحقق ربحاً وافراً واكتنز الكثير من المال؟!
وبالفعل باتت هذه القناعة راسخة في مخيلة جحا، فقرر أن يبيع حماره وتأمين الدفعة الأولى من ثمن سيارة الشحن وتقسيط باقي المبلغ على دفعات شهرية الى المصرف ولفترة طويلة الأجل. وفي بداية الامر، فرح جحا وقال: ما أجملها من نقلة نوعية اقدمت عليها بكل اصرار، وها أنا بين صحبي افتخر وأختال.
ومرت الايام بسرعة البرق وبدأت الدفعات الشهرية تستحق، وبدأت المصائب والهموم تتراكم على رأسه والاثقال، وأخذت أسعار الوقود ترتفع بتسارع كبير حتى أصبحت باهظة الثمن، و تراكمت الأعباء عليه والأحمال، الامر الذي زاد الطين بلَّة وساهم في عجز جحا عن تسديد الأقساط الشهرية المستحقة للمصرف، وبدأت الإخطارات تتوافد عليه دورياً، واسترسل المصرف في التهديد والوعيد بمصادرة السيارة وعرْضَها في المزاد إذا لم تسدد جميع الاقساط المستحقة منذ شهور طوال.
فقال جحا في نفسه: يبدو أن الدمار قادم لا محال، وليس امامي من حلٍ سوى أن ابيع السيارة ولو بخسارة بسيطة وأسدد أقساطها وأسترد حماري إذا امكن وأعود الى الماضي الرغيدِ والى راحة البال.
وبحث جحا عن مشتري واتفق معه على أن يبيعه السيارة عسى أن يتمكن من تجاوز هذه الحال، ولكن المفاجأة الكبرى كانت في عدم امكانية نقل الملكية للمشتري وان اتمام المعاملة هو من المحال، لأن السيارة مرهونة للمصرف ولا يمكن انجاز المعاملات قبل تسديد كامل الاقساط وفك الرهن وبعدها تتم عملية نقل الملكية والتحويل. عندها رفض المشتري أن يدفع باقي ثمن السيارة الى جحا بسبب تخوفه بأن المبلغ المتبقي من ثمنها غير كافي لتسديد كامل الاقساط للمصرف، فيورطه جحا ويجره معه الى الدرك الاسفل، وربط تسديد باقي المبلغ بإتمام المعملات في الدوائر الرسمية، وعَلِقَت الامور وتعقدت وأصبح جحا ” لا معلق ولا مطلق”، مسكين أنت يا جحا اصبح في وضع لا تحسد فيه على هذه الحال.
ولطم جحا على خده وقال نادما: أه يا زمان العجب والإذلال!!! بالامس كنت برفقة حماري انعم بالسعادة والهناء وراحة البال، وكان عيشي مستطاب تغمره الاحلام والكثير من الآمال.
واما اليوم وبعد أن فارقتني البساطة وكبلني ثقل الاحمال، ضاع الهناء مني فغرقت في بحر من الهموم والمجهول، وتوالت علي الرزايا وغابت عني راحة البال. وعجزت عن اللحاق بركب التطور، وأصبحت عودتي الى الماضي من المحال. حماري ورفيق دربي خدمني وما كلفني سوى قليلاً من الكلاء والعشب والماء، وكان رغم ذلك يدر القليل من الدخل عليَّ، والرزق الحلال. وأما سيارتي فقد استنزفتني بأقساطٍ ثقيلة وفوائد تهد الجبال، ووقودٍ أغلى من ماء الذهب ومن ناتج ملكة الخلية من العسل، فتراكمت اقساطها وأصبح سدادها من المستحيل. واثقل الهم كاهلي فجثم اليأس على صدري وازدادت شدَّتي وعنائي ووبالي، وبتُّ أخشى أن يجرني اليأس لأسلك درب الكذب والنصب والاحتيال، وكان الله في عوني وبدَّل من أحوالي ورد لي راحة البال.
وندم جحا على فعلته حيث لا ينفع الندم، وقال في نفسه: صعدت الى قمة الشجرة لاقطف الثمرة، وإذا بها لم تنضج بعد، مضاقها مر وعلقم وهضمها صعب، وودت النزول ولكني تعثرت فتعذَّر علي النزول، واصبحت لا معلق ولا مطلق وعلى رأي المثل: ” أنا لا عايز ولا معتاز وجبت لحالي نخاز”.