كثر الحديث والتذمر في الاونة الاخيرة على ازمة المواصلات الخانقة في المدينة والمشاكل والتأخيرالذي تسببه للمواطن وعن طرق حلها. ونتيجة لذلك قال جحا في نفسه لقد سئمت الحديث الغير مجدي حول هذا الموضوع، وجاء الوقت المناسب كي ابادر بالقيام بخطوات عملية بهذا الشأن، وبعد تفكير عميق توصل الى قناعة تامة بضرورة عمل عريضة يوقع عليها اكبر عدد من المواطنين لرفعها للجهات المختصة، على أن يبدأ بتوقيع أبناء حارته، ومن ثم ينتقل الى حارة أخرى وهكذا حتى يجمع اكبر عدد من تواقيع أبناء المدينة. وفعلا قام بعمل عريضة ودعى كافة ابناء حارته للقاء في الديوان في نهاية الاسبوع ليطرح عليهم الفكرة ويحثهم على التوقيع على العريضة.
وفي يوم اللقاء لبى الدعوة غالبية ابناء حارته وكان البعض مستغربين يتسائلون عن سبب هذه الدعوة.
وسأله البعض: ماذا هناك يا جحا وهل الامر يستدعي عمل مثل هذا التجمع؟
فأجابهم جحا: طبعاً يا اخوتي وابناء جلدتي، لقد سعيت الى عمل هذا الاجتماع لمناقشة ازمة المواصلات في المدينة ولرفع عريضة للمسئولين موقعة من عدد كبير من المواطنين نقترح فيها تصوراتنا من أجل ايجاد حلولاً جذرية لها نقوم برفعها للمسئولين وللجهات المختصة؟ وأكمل حديثه قائلاً: تعلمون يا ابناء جيرتي وربعي أن المدينة صغيرة ولا يوجد فيها اكثر من ثلاث شوارع رئيسية وبدل توسيع الشوارع، تعكف الجهات المسئولة على تضييق الشوارع والى توسيع الأرصفة، والى المبادرة لمنع السير في بعض الشوارع بالاتجاهين ( السير باتجاه واحد فقط)، وهذا ساهم في تدوير الازمة الى الشوارع الرئيسية الاخرى والى تفاقم الازمة فيها هذا بالاضافة الى تفاقم ازمة الوقت وزيادة اعباء استهلاك المحروقات وتكاليفها الباهظة أصلاً.
فقالوا له يا جحا وما هو الحل من وجهة نظرك؟
فقال جحا: ارى أننا بحاجة الى توسيع الشوارع بدل توسيع الأرصفة بطريقة مبالغ فيها على حساب عرض الشارع المخصص للمركبات، والى تنفيذ مشاريع انفاق وجسور لتخفيف الازمة أسوة بالمدن في الدول المجاورة، خاصة وأن عدد السيارات يزداد بتسارع كبير رغم أن شوارع المدينة هي نفسها ولم تزداد متراً واحداً منذ زمن بعيد ويتعذر شق طرق جديدة في المستقبل لأن مساحة الاراضي المتبقية للتطوير محصورة لا بل معدومة.
فقال له البعض: ان توسيع الأرصفة ضروري يا جحا لتوفير الأمان للمشاة.
فأجابه جحا: لماذا المكابرة؟ كلنا يعلم أن من ادبيات وعادات المشاة المتوارثة عبر الاجيال في مجتمعنا، تفضيلهم السير في منتصف الشارع رغم أن الأرصفة دائما تبقى شبه خاوية.
فقال احدهم بدهشة واستغراب: مهلك يا جحا الا تعلم أن توسيع الارصفة على جانبي الطريق يساهم في حل المشكلة حلاً جذرياً؟
فسأله جحا باستغراب: اوضح لي كيف هذا؟
فأجابه قائلاً: إذا أخذنا بعين الاعتبار عادة المشاة في السير في منتصف الطريق، فإن الارصفة الواسعة تبقى فارغة تاركة بالتالي المجال للمركبات للسير عليها، وبدل من سير سيارة واحدة في مسربها في الشارع، يصبح هناك مجال لسيارتين للسيرعلى رصيفي المشاة من جهتي الشارع، وبذلك تكون الجهات المختصة قد ساهمت في حل نصف مشكلة ازمة المواصلات.
واستغرب آخر بهذا المنطق المقلوب وقال: ما هذا التخريف؟! ان الارصفة عُمِلَت للمشاة وليس للسيارات.
فأجاب جحا: لا عليكم، دعونا نخرج الآن الى الشارع وسنجد المشاة يسيرون فعلاً وسط الطريق وليس على ممرات المشاة وهذه العادة درج عليها أبناء مجتمعنا منذ زمن بعيد، وهي ممارسة وثقافة ونهج تربوي، وإن التغيير يحتاج الى جهد كبير وجماعي وايضاً الى فترة طويلة من الزمن ونحن لا ندري خلالها ماذا سيكون قد حل بنا.
وقال ثالث: انت محق يا جحا وإن أزمتنا في هذه المدينة هي أزمة وعي وعادات وثقافة وتربية ولكن هل لديك حلول منطقية أخرى لهذه المشكلة؟
فقال جحا: اقترحت ايضاً في هذه العريضة وضع ضوابط على المواطنين لمنعهم من اقتناء اكثر من سيارة خصوصية واحدة لكل أسرة، وطالبت فيها فرض رسوم باهظة وجمارك مرتفعة على كل سيارة اضافية وبطريقة تصاعدية، حتى لو حاول صاحب الشأن التحايل على القانون وقام بتسجيل أي سيارة اضافية بإسم احد افراد اسرته الاخرين وبهذه الطريقة يمكن ان يتم الحد من ازمة المواصلات.
وفجأة قام احد الحاضرين وهو رب أسرة مكونة من 5 افراد يملك كل فرد فيها سيارته الخاصة به، وحمل ابريق قهوة تم تجهيزه وَوَضْعُهُ مسبقاًعلى طاولة جانبية، واتجه نحو الطاولة التي وضع جحا عليها العريضة وقال: خذ يا جحا هاك توقيعي ودلق الابريق وما يحتويه من القهوة على العريضة وأضاف قائلاً: هذه المرة اكتفي برشق القهوة على العريضة ولكن اذا حاولت عمل عريضة اخرى بهذا الخصوص فإني سأرشقها بشيء آخر، وغادر الديوان وهو يتمتم متهكماً ولحق به جميع الحاضرين.
فنظر جحا حوله فوجد رجلاً وحيداً بقي جالس مكانه فتوجه نحوه ليثمن له موقفه وبقاءه في الديوان وليشكره، معتبراً بقاءه تأييداً لما تم طرحه في العريضة وقال جحا في نفسه: التغيير دائما يبدأ بشخص، ومشوار الالف ميل يبدأ بخطوة، ومد يده ليصافحه ويشكره على موقفه ولكنه تفاجأ بأنه رجل اطرش وأخرس.