راديو موال – نجيب فراج – اسرى ثلاثة من محافظة بيت لحم هم من بين الاسرى البارزين القدامى الذين امضوا ما بين العقدين والثلاثة عقود، وكانت اسمائهم حاضرة دوما في فعاليات الاسرى المختلفة وقبل ذلك كان افراد عائلاتهم حاضرون في الاعتصامات ليرفعون صورهم وليصون قصصهم حيث لكل اسير رواية ان لم يكن روايات بحسب الكثير من نشطاء حقوق الانسان الذين يتابعون اوضاع هؤلاء الاسرى.
ما ان نشرت اسماء الاسرى المنوي الافراج عنهم ضمن القائمة خرجت امونة عبد ربه والدة الاسير عيسى الى الشوارع ما بعد منتصف الليل وهي تطلق الزغاريد احتفاءا بهذه المناسبة لتشاركها العديد من جاراتها اللواتي واكبن معانياتها شبرا بشبر وذراعا بذراع.
الحاجة امونة عبد ربه تبلغ من العمر 83 عاما وقد انهكها المرض والتعب وهي تنتظر عيسى الذي اعتقل في الحادي والعشرين من تشرين اول عام 1985 اعربت عن فرحتها الكبرى وهي تستعد لان تكحل عينيها بنجلها عيسى قبل ان ياخذ الله امانته كما تقول، اذ يكفي 30 سنة من الاسر داخل السجن، وقد لاقى المزيد من المعانات والعذاب ولكنه ظل صامدا قويا مؤمنا بعدالة قضيتنا وعدالة كفاحنا، وقالت لقد انتظرت عيسى طيلة هذه السنوات وتأملت في كل المناسبات ان يطلق سراحه والتي كان اخرها صفقة شاليت الا ان ذلك لم يتم، وتوجهت في حديثها بالشكر لله اولا وللرئيس ابو مازن ثانيا فهو لم يخيب رجاؤنا وها هو يحقق املنا في ان يعيد نجلي الى بيته واحضان عائلته متسذكرة ما سبق ان قالته امامه قبل نحو ثلاث سنوات حينما دعا اهالي اسرى لوجبة افطار رمضانية في مقر الرئاسة حيث وقتها “
هم أبناؤك وأولادك وينتظرون منك أن تضغط وتعمل على إنهاء معاناتهم الطويلة، وأطلقت في وسط المقاطعة زغاريد تمتزج فيها الدموع مع الأمل والحنين الى غد أجمل بلا معاناة وعذاب” لتتحقق الامنية لقد تعرض عيسى خلال 29 سنة الى العزل والقمع والتنقل من سجن الى سجن، وكان دائما يخاف على كل ما يكتبه ويرسمه في السجن من المصادرة على يد السجانين، فقام بإخراج يومياته وخربشاته وصور زملائه بالسجن الى والدته التي تحتفظ بها في صندوق مع مفتاح البيت القديم في قرية الولجة”، وقالت “انها امانته تنظره باحر من الجمر”.
يبلغ عيسى نحو 50 عاما وهو محكوم بالسجن المؤبد لمرة واحدة ويطلق عليه عميد اسرى الضفة الغربية وتؤكد والدته انها ستعمل على الاحتفاء بزواجه في اسرع وقت ممكن.
وفي مخيم عايدة ليس بعيدا عن مكان سكن عيسى في مخيم الدهيشة استكملت عائلة الاسير خالد الازرق الاستعدادات لاستقباله وجلس والده البالغ من العمر 84 عاما في باحة منزله يستقبل الاحباء الذين هرعوا اليه لينئوه بالمناسبة وقد رفعوا صوره في كل الاروقة كما علقت الاعلام والرايات واللافتات والاضواء الملونة ، انها ساعات الحسم كما يقول شقيقه ،”لقد انتظر والدي كل هذه السنين وكذلك والدتي المريضة ليتحقق الحلم، انه حلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتحول الى حقيقة .
لمسيرة خالد ومراحله المختلفة الكير من القصص فهو الذي اعتقل وكان عمره لا يتجاوز السابعة عشرة سنة 1982 ولمدة عامين ونصف العام، وزج به في سجن الدامون الذي خصصته سلطات الاحتلال لسجن الأطفال والفتيان، ولم يستوعب هذ
ا الشبل الصغير حياة القمع الموحش وسياسة التنكيل بالأطفال في ذلك السجن القديم الذي أنشأه الانتداب البريطاني ويفتقد لأبسط المقومات الإنسانية والمعيشية.
استطاع خالد مع زميلين له في السجن، وهما مخلص برغال وخالد برغوث، أن يتمكنوا من الهرب من السجن بعد أن تحايلوا على السجّانين ولكن تم إلقاء القبض عليهم خارج أسوار السجن بعد ملاحقة من قبل الجنود والشرطة، وقد تعرّضوا للضرب المبرح والعقاب القاسي في الزنازين الانفرادية لعدة شهور بسبب تلك المحاولة.
العريس وزوجته الشهيدة أمل
وتزوج خالد الشهيدة المناضلة أمل خليل العطابي خلال الانتفاضة الأولى، وهي جارته في المخيم وابنة أسرة مناضلة، اعتقل شقيقها عبد لمدة 10 سنوات، وشقيقها صامد لمدة 5 سنوات والذي أبعد فيما إلى قطاع غزة بعد حصار كنيسة المهد في العام 2002.
الزوجان اللذان انضما إلى العمل الانتفاضي والفدائي، عملا سوياً على مقاومة الاحتلال ليمتزج الحب بالثورة ولتتحوّل رواية اللاجئ إلى ضوءٍ وصوتٍ وفعل من أجل مسح آثار النكبة ومقاومة الأسطورة الصهيونية وهي تغزو كل شيء لتجفيف التاريخ والذاكرة.
كان خالد وزوجته يرفضان أن يفترق الزمان عن المكان، فالتحما جسداً وروحاً ودماً في خلايا العمل العسكري والتصدّي للمحتلين مع سائر أبناء الشعب الفلسطيني، ولم يتوقف عملهما حتى وهما في أشهر الزفاف الأولى والذي لم يكتمل بياضه ولم يصل إلى نهايته إلا هناك..في القدس.
زفاف في القدس
بتاريخ 31-12-1991، وفي ذكرى انطلاقة حركة فتح سقطت زوجة خالد شهيدة في القدس المحتلة خلال قيامها بعملية عسكرية ضد الاحتلال، ولم يمض على زواجهما سوى شهرين وكانت حاملاً، وفي القدس كانت الشهيدة أمل تبحث عن زهرتها الوطنية في العاصمة وفي رحاب الصلاة، فلم تجد أجمل من شقائق النعمان التي سمّاها الكنعانيون “جراح الحبيب”، بعد أن اقتنعت أن العروس يجب أن تزفّ من القدس وأن تعود محمولة كطائر الفينيق على الألوان الأربعة من بلد الروح والحياة.
لقد سال الدم وعلا صوت الآذان وقرعت الأجراس وانتشرت الملائكة في قباب السماء، ليزفّ الخبر إلى زوجها خالد الذي نظر فرأى أن عروسته تعود مصلوبة على خشبة الموت لتدفن في مقبرة المخيم، طريقٌ طويل وآلامٌ تفيض عما تقوله الألوان والمشاهد والصور والكلمات والنبوءات.
جنود الاحتلال يطوقون المخيم ويفرضون حظر التجول ليتحول المخيم إلى ثكنة عسكرية، يقتحمون كل بيت ويداهمون الجنازة ويدخلون إلى المقبرة ويعتقلون شقيقات خالد خولة وفاطمة ويقودوهن إلى معتقل المسكوبية للتحقيق الذي استمر لمدة شهر.
طورد خالد الأزرق من قبل قوات الاحتلال حتى تم إلقاء القبض عليه في مدينة رام الله يوم 12-2-1991، وقد تعرض لتحقيق قاسٍ جداً وهو في أوضاع نفسية صعبة بعد أن فقد زوجته وحبيبته ورفيقة دربه.
وكذلك الحال في منزل عائلة الاسير رزق صلاح ببلدة الخضر والذي اعتقل في العام 1992 بتهمة قيامه بزرع عبوة ناسفة في مقر الحكم العسكري الاسرائيلي ببيت لحم مما ادى الى مقتل جندي وجرح اثنان وقد حكم عليه بالسجن المؤبد لمرة واحدة وهو متزوج ولديه اثنان من الابناء الاكبر احمد وعمره الان 24 سنة وكان عمره وقت اعتقال والده ثلاث سنوات، اما رمزي فعمره الان 22 سنة ، وبالتاكيد سيجد رزق والذي انتمى مبكرا لحركة فتح كثيرا من المتغيرات خارج السجن وفي محيط عائلته فهو الذي مضى على اعتقله 21 سنة وخلالها توفي والده اولا ومن ثم والدته قبل عدة سنوات، سيجد ولده رمزي وقد تزوج حديثا كما سيجد الكثير من ابناء اخوته واخواته وابناء عمومته وبلدته قد راوا النور ليس ذلك وحسب بل كبروا وشبوا بدون ان يشاهدهم هذا عدا عن حجارة القرية وابنيتها ولكن الافراج اصبح حقيقة هذا ما تقوله زوجته جهاد التي كابدت على مر العقدين الماضيين وهي تعيش امل لحظة الافراج وقد تحققت وتقول “إنها عانت الكثير وهي تنتظر الإفراج عن زوجها، حيث اعتقل الابن الأكبر، وزف الأصغر لعروسه في ظل غياب والده، إلا أنه كان ماثلا بينهم، “رغم كل ذلك صبرت وأفتخر بزوجي الذي ضحى من أجل وطنه، لكن ما يحزنني أنه كان يتمنى أن يحتضن والديه، لكن القدر لم يسعفه فتوفيا قبل تحقيق حلمه”.
وأشارت إلى أنهم عاشوا على أعصابهم طوال سنوات الاعتقال عندما كان يتم الإعلان عن وجود صفقة للإفراج عن معتقلين، كانوا يعيشون أصعب اللحظات وكلهم أمل أن يكون ضمن هذه الصفقة وغيرها إلى أن جاءت الدفعة الثانية من الإفراج عن أسرى قدامى.
وأضافت أنها تشعر بالغصة في القلب رغم الإفراج عن زوجها، لأنها تشعر بمدى الأسى والحزن في نفوس العديد من النساء اللاتي ينتظرن قدوم أزواجهن أو إخوانهن أو أبنائهن أو أقربائهن، وبالتالي فرحتنا الكبيرة ستكون عند تبييض السجون من كافة أسرانا البواسل.