الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل ” ابعاده ونتائجه”

راديو موال – بقلم مايك جورج سلمان 

عرِف قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 بقرار التقسيم وقد صدر هذا القرار بتاريخ 29 تشرين الثاني1947 بعد إجراء التصويت عليه، محققاً النتائج التالية: (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع) ويتبنّى القرار خطة تقسيم فلسطين  وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، بعد إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين  على النحو التالي :

1. دولة عربية: وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2. دولة يهودية: على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليا.
3. القدس وبيت لحم والاراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.

وكان القرار بمثابة أول محاولة لهيئة الأمم المتحدة لحل النزاع العربي الاسرائيلي (العربي اليهودي في حينه) على أرض فلسطين. وإذا كانت قيادتنا الفلسطينية قد اعترفت بكافة قرارات الامم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومن ضمنها قرار التقسيم رقم 181 فلماذا اذن يصر رئيس الوزراء الاسرائيلي على طرح قضية اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة اسرائيل كشرط أساسي لإنجاح مفاوضات السلام الحالية تحت الرعاية الامريكي؟.
وفي حين يصر العديد من القادة القوميين المتطرفين في حزب الليكود و«البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» على رفض أي تقدم نحو حل الدولتين ورفض وحتى الحلول الجزئية والمرحلية أيضاً، فقد خالف زعيم حزب «هناك مستقبل» يائير لبيد وزير المالية في حكومة نتانياهو الحالية رئيس الوزراء نتانياهو في رأيه المطالب باعتراف السلطة الفلسطينية بـ« يهودية الدولة» كشرط لأي اتفاق، وقال لبيد في الولايات المتحدة: إن إسرائيل ليست بحاجة لمثل هذا الاعتراف من الفلسطينيين”. وهذا من وجهة نظري صحيح لأن الاعتراف الفلسطيني بقرارات الامم المتحدة ومن ضمنها قرار التقسيم رقم 181 يعني أننا تجاوزنا هذه المرحلة منذ إعلان وثيقة الاستقلال في مؤتمر الجزائر بتاريخ 15 تشرين الثاني من عام 1988، وأن الحرب الاعلامية القائمة حول هذا الموضوع هي حرب مسطنعة وزائفة. وقد اختلف نتنياهو مع لبيد في هذا المجال وأضطر للإعلان عن أن لبيد في هذا الموقف لا يمثل إلا نفسه، وأن موقف الحكومة مغاير لذلك كلياً. وأصر نتانياهو على وجوب اعتراف القيادة الفلسطينية بيهودية دولة اسرائيل وأكد على أن هذا يعتبر شرطاً ضرورياً ومطلباً أساسياً لإنجاح مفاوضات السلام الجارية حالياً بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وقد جاء تصريحه هذا في كلمة له ألقاها في جامعة “بار إيلان” في مدينة رمات جان مطلع الشهر الحالي. حيث أكد بأنه يستحيل تحقيق “السلام” مع الفلسطينيين طالما استمروا في رفضهم للاعتراف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة قومية سيادية بمعنى آخر الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
ويعتبر نتانياهو أن الاعتراف الفلسطيني الرسمي بيهودية دولة اسرائيل هو بمثابة ” وعد بلفور فلسطيني”، هذا ما همس به نتانياهو في أُذن أحد نواب حزب الليكود الحاكم في أحد الجلسات الرسمية، دون ان يلتفت لوجود لاقط الصوت الخاص بتلفزيون اسرائيل الذي نقل بدوره هذا الهمس بالصوت والصورة نقلاً حياً. ولو تأملنا في هذه العبارة بتمعن لوجدنا أنها تعبر عن مدى مراهنة نتانياهو على رضوخ السلطة الوطنية الفلسطينية والموافقة على هذا الشرط دون أي مقابل يعرضه أو ربما بثمن بخس يتمثل في التمنن على الفلسطينيين بقرار هزيل يتم فيه تجميد الاستيطان بصورة مؤقته وبالتحديد لمدة شهرين.
  
كما وصرح نائبه سيلفان شالوم بإن موافقة أي جهة تمثل الفلسطينيين على يهودية دولة إسرائيل يعني ببساطة أن تسلم القيادة الفلسطينية بكل القرارات والاجراءات الاسرائيلية المتعلقة بتحقيق جوهر هذا الشرط المسبق، وبأن السلطة الوطنية الفلسطينية لن تمانع بعدها في أي خطوة اسرائيلية تساهم في تحقيق روح هذا الشرط، وتساعد على تكريس الطابع اليهودي لهذا الكيان العنصري. ويُستشف من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بأن هناك أبعاد كارثية تترتب على موافقة الفلسطينيين على مطلبهم بالاعتراف الفلسطيني  بيهودية دولة اسرائيل وعلى مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة حيث أن ضمان الطابع اليهودي لدولة إسرائيل يعني:

1- أن يحافظ اليهود على اغلبية مطلقة داخل دولتهم اسرائيل، على اعتبار أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني تنازل الفلسطينيين رسمياً عن أي مطالب أو مواقف تهدد في الحاضر والمستقبل التفوق الديموغرافي اليهودي في المجتمع الاسرائيلي، وبالتالي فإن موافقة الفلسطينيين تعني التنازل الضمني عن حق العودة للاجئين، علماً بأن عودة اللاجئين إذا تحققت سوف تنسف الواقع الديموغرافي داخل إسرائيل وتحول اليهود مع مرور الزمن إلى أقلية إذا ما أخذنا أيضاً بعين الاعتبار نسبة الخصوبة العالية التي يتميز بها المجتمع الفلسطيني، وهذا بحد ذاته مصدر ازعاج وقلق للقادة الاسرائيليين. لذلك فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني التباحث في جميع الحلول المتعلقة  بقضية اللاجئين بإستثناء حق عودتهم للأراضي التي تم تشريدهم منها خلال ما يسمى إسرائيلياً بحرب الاستقلال سنة 1948. ومن جهة أخرى فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني أيضاً أن يقبل ممثلو الشعب الفلسطيني بالإجراءات التي سوف تتخذها القيادة الاسرائيلية القومية المتطرفة وبأي صيغة تطرحها للتخلص من العبء الديموغرافي الذي يمثله عرب فلسطين الداخل ( عرب 1948) الذين يعيشون في مدنهم العربية داخل ما يسمى بدولة اسرائيل من حاملي الجنسية الإسرائيلية. وهكذا فإن فكرة تبادل السكان التي طرحها رئيس حزب “اسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان هذا الزعيم اليهودي القومي المتطرف بحماسٍ منقطع النظير تصبح فكرة واقعية قابلة للتطبيق، مع العلم أن هذه الفكرة تدعو إلى التنازل عن منطقة المثلث التي يقطن فيها غالبية فلسطينيي 1948 للكيان الفلسطيني مقابل ضم التجمعات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية والقدس لدولة إسرائيل.

2- إن اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل يعني التسليم والقبول بكافة القوانين التي سنها الكنيست الاسرائيلي في الماضي والحاضر والمستقبل من أجل ضمان تحقيق روح هذا المطلب. حيث أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني الاعتراف بالقوانين العنصرية التي سنها المُشَّرع الاسرائيلي، ومن ضمنها قانوني “المواطنة” و”العودة” الذي يعطي لليهود في كافة اماكن تواجدهم في العالم الحق في العودة الى ما يسمى بأرض اسرائيل والحصول تلقائياً ولدى وصولهم الى ارض المطار على الجنسية الاسرائيلية والتمتع بكافة حقوق المواطنة في الدولة، بينما يَحْرم هذا القانون  فلسطينيي 1948 من حقهم في الحصول على جمع شمل لعائلاتهم خاصة فيما يتعلق بالأزواج اللذين يقطن أحدهم الضفة الغربية أو قطاع غزة وبأولادهم أيضاً. كما أن الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل يعني الموافقة على قانون ” الولاء ” الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية مؤخراً والذي يُلزم غير اليهود بإعلان الولاء لإسرائيل  كدولة يهودية ديمقراطية، ويشكل غطاءً لسن مزيد من القوانين العنصرية، مثل مشروع القانون الذي أعلن عنه زعيم حركة شاس وزير الداخلية الحاخام إيلي يشاي ووعد بتمريره في الكنيست الاسرائيلي وينص مشروع هذا القانون على وجوب حرمان كل شخص يُتهم بارتكاب مخالفة أمنية من الجنسية الإسرائيلية، جاء ذلك على خلفية مشاركة النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي السيدة حنين الزعبي في أسطول الحرية الذي أبحر باتجاه قطاع غزة، على اعتبار أن مشاركتها تعتبر جريمة تمنح وزارة الداخلية الاسرائيلية الحق في سحب جنسيتها الاسرائيلية وحرمانها من حق المواطنة. وملخص الحديث إن الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل يعني إضفاء الشرعية على القوانين والنظم التي تسمح بتضييق الخناق على فلسطينيي 1948، وعلى رأس هذه القوانين،  قانون عدم جواز شراء أراضي تابعة لما يسمى بـ ” دائرة أرض إسرائيل “، وهي الأراضي التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية منذ عام 1948 علاوة على أن إسرائيل ترغب في أن يضفي الاعتراف الفلسطيني شرعية على البنية القانونية التي تكرس الغبن الواقع على فلسطينيي 1948، خاصة القوانين التي تحرمهم من الكثير من الحقوق والمزايا الاقتصادية والاجتماعية بحجة عدم تأديتهم للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، مثل حرمانهم من التأمين الوطني والصحي والضمان الاجتماعي وبدل البطالة ومخصصات الأطفال والتعليم المجاني والمنح الجامعية وغيرها.

3- يعتبر كثيرون من النخبة اليمينية المتطرفة الحاكمة في إسرائيل أن الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة اسرائيل يعني من الناحية الثقافية تهويد الذاكرة الفلسطينية بشكل مبرمج وبكل ما تخبئ هذه الكلمة في طياتها من معاني وخفايا عنصرية. وتجذر الإشارة هنا إلى ما صرح به وزير التربية والتعليم الإسرائيلي جدعون ساعر عندما تحدث عن المضامين الثقافية لاعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، حيث حدد ساعر في مقابلة له مع التلفزيون الإسرائيلي هذه المضامين في بندين أساسيين هما:
أولاً: إعادة صياغة مناهج التدريس الفلسطينية بما يتلائم مع جوهر الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بمناهج الجغرافيا والتاريخ والتربية الدينية. صحيح أن ساعر لم يقدم تفاصيل كثيرة حول مطلبه من أجل تغيير هذه المناهج، لكن ما يقصده جليٌّ وواضح، فبعد أن يتحقق الاعتراف بيهودية الدولة  يتوجب على وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تعديل مناهجها لتتوائم مع المستحقات المترتبة على هذا الاعتراف مثل تعديل الخريطة الجغرافية التي تظهر فيها إسرائيل إلى جانب الكيان الفلسطيني، وإعادة تسمية المدن الفلسطينية على الخارطة بالأسماء العبرية، فمثلاً يافا ستصبح “يافو”، وبئر السبع ” بير شيفاع”، وبيسان ” بيت شآن “، وعسقلان ” أشكلون ” وهكذا. وأما فيما يتعلق بمنهاج مادة التاريخ، فإن إسرائيل تتوقع أن تتوقف الاجيال الجديدة الفلسطينية عن تعلم الرواية الفلسطينية للصراع العربي الاسرائيلي، لأن الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن يتربى الطلاب الفلسطينيون على كون هذه الأرض معروفة بِ ” أرض الميعاد لليهود “، وأن الفلسطينيين هم مجرد مجموعة بشرية تصادف وجودها على هذه الأرض. أما على صعيد مناهج التربية الدينية التي يبدي فيها ساعر اهتماماً واسعاً وينادي بنسفها، فإن المرء يمكنه أن يتوقع ما يريده بالضبط، فالإعتراف بيهودية الدولة يعني التوقف عن تعرض الوعاظ في خطبهم الدينية لمواضيع لا تروق لليهود الاسرائيليين بإستخدام آيات قرآنية ومواد دينية وشرعية معينة. 
ثانياً: يرى ساعر أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن يفرض الكيان الفلسطيني رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية وعلى دور العبادة، بحيث تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بفرض حضر على ما يصفه بـ ” التحريض ” على الإسرائيليين اليهود في دور العبادة ووسائل الإعلام الفلسطينية بينما يسمح هو من جهة أخرى بنشر تعاليم الحاخام العنصري المتوفى مردخاي إلياهو أحد أهم مرجعيات الإفتاء في إسرائيل وصاحب الفتوى التي تبيح ذبح النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين وحتى بهائمهم ، وفي دعم المدارس الدينية المتطرفة مثل المدرسة الصغيرة التي يديرها الحاخام إسحاق شابيرا علما بأن الحاخام شابيرا هو من أصدر كتاب ” دين الملك ” الذي طرح فيه التبريرات الفقهية التي تُجيز قتل الأطفال الفلسطينيين من أجل حماية أمن اليهود الاسرائيليين.

وأخيراً فإنه لمن سخرية القدر أن يشدد نتنياهو في مطالبته على ضرورة اعتراف السلطة الوطنية الفلسطينية بيهودية دولة اسرائيل كشرط مسبق وبما تتضمنه هذه الخطوة من أبعاد كارثية على المجتمع الفلسطيني ويحاول بدوره تضخيم الامر اعلامياً ليبدو وكأنه عقبة كأداء تحول دون تحقيق اي تقدم في المفاوضات الجارية، بينما نجده بالمقابل لا يبدي اي استعداد للتنازل عن اي من المواضيع التفاوضية الهامة والتوافق على بعض القضايا والمطالب الفلسطينية المصيرية العادلة مثل حق عودة اللاجئين وإطلاق سراح جميع الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال البغيض، وحق تقرير المصير، وإعلان الاستقلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس العربية. وكما ذكرت في بداية حديثي فإن كل ما يعرضه نتانياهو مقابل هذه الخطوة الرهيبة هو تجميد مؤقت للنشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية لمدة شهرين باستثناء أعمال البناء في مستوطنات القدس والتجمعات الاستيطانية الكبيرة، مع عرض صيغة متواضعة لحكم ذاتي موسع ولكن هزيل، بمعنى أن المجازفة الخطيرة بالإعتراف بيهودية دولة إسرائيل لن يقابلها نتنياهو إلا بثمن بخس لن يرضى عنه حتى اصغر رضيع فلسطيني في الوطن والشتات.