فيديو – رحيل الفنان الكبير وديع الصافي عن عمر اثنان وتسعون عاما …

راديو موال :

عن حياته  –  ولد، وديع فرنسيس، الشهير بـ«وديع الصافي» 24 يوليو 1921 في قرية نيحا الشوف محافظة جبل لبنان، وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد، وكان والده، بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، رقيبًا في الدرك اللبناني.

لم يكن وديع الصافي قد اكمل بعد السنتين من عمره عندما اذهل خاله نمر العجيل بقوة صوته ونقاوته. اذ كان يطيب له ان يمسك بيده ويجول واياه في احياء بلدة نيحا في البقاع حيث مسقط رأسه.

 

وعند سماع صياح الديك كان الطفل يتوقف لبرهة ويصيح بدوره مقلداً الديك ببراعة فيربت الخال على كتفه اعجاباً وهو يتمتم «مش معقول ولد بها العمر بيملك هالصوت».

ورغم ممانعة الام والاب خوض ابنهما المعترك الفني، فإن وديع وجد ملاذه عند خاله نمر الذي كان يدربه على عزف العود بعد عودته من «النوبطشية». ثمرة هذا التعاطف تمثل بآلة عود اهداها له الخال وما زال وديع يحتفظ بها حتى الآن.

العتابا… الغزيّل… ابو الزلف وغيرها من اغاني الفولكلور اللبناني، كان ينشدها وديع بجدارة فلفت انتباه زملائه واساتذته في مدرسة الضيعة (نيحا) تحت السنديانة وفي الهواء الطلق وبعدها في مدرسة الآباء المخلصين في بلدة جون.

 

اول اجر قيّم تقاضاه في بداية مشواره الفني كان ثماني ليرات ذهبية من الست نظيرة جنبلاط والدة الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط، وذلك لقاء غنائه لها وهي طريحة الفراش وكان يومها لا يتجاوز الحادية عشرة. عام 1938 انتقلت عائلة فرنسيس الى بيروت وهناك لعبت الصدفة دورها. عندما دخل عليه شقيقه توفيق يحمل قصاصة ورق عن اعلان لمسابقة غنائية تنظمها اذاعة لبنان الرسمية والمعروفة حينذاك باذاعة الشرق الادنى.

image

 

عاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان، وفي عام 1930، نزحت عائلته إلى بيروت ودخل وديع الصافي إلى مدرسة دير المخلص الكاثوليكية، وبعدها بثلاث سنوات، اضطر للتوقّف عن الدراسة، لأن جو الموسيقى هو الذي كان يطغى على حياته من جهة، ولكي يساعد والده من جهة أخرى في إعالة العائلة.  
كانت انطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، ايام الانتداب الفرنسي، في أغنية “يا مرسل النغم الحنون” للشاعر المجهول آنذاك (الأب نعمة اللّه حبيقة). وكانت اللجنة الفاحصة مؤلّفة من ميشال خياط، سليم الحلو، ألبير ديب ومحيي الدين سلام، الذين اتفقوا على اختيار اسم “وديع الصافي” كاسم فني له، نظرًا لصفاء صوته. فكانت إذاعة الشرق الأدنى، بمثابة معهد موسيقي تتلّمذ وديع فيه على يد ميشال خياط وسليم الحلو، الذين كان لهما الأثر الكبير في تكوين شخصيّته الفنية. بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية. ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة. فكانت البداية مع “طل الصباح وتكتك العصفور” سنة 1940.

لم تتسع بيروت للمطرب الصغير الباحث عن الافضل، فسافر اكثر من مرة بحثاً عن لقمة العيش وكانت بدايته مع احد متعهدي الحفلات من آل كريدي، وذلك اثناء الحرب العالمية الثانية عندما اختاره ليقوم بجولة فنية في دول اميركا اللاتينية المزدهرة حينها بالصناعة والزراعة. استقر في البرازيل ثم عاد الى لبنان ليكتشف ان الاغنية اللبنانية ما زالت في بداياتها لولوج العالم العربي. وعندما عرف بالنجاح الكبير الذي حققته اغنية الراحل فريد الاطراش في تلك الاثناء «يا عوازل فلفلو» قرر ان يغامر باغنية جديدة من نوعها بعنوان «عاللوما» ذاع صيت وديع الصافي بسبب هذه الاغنية التي صارت تردد على كل شفة ولسان واصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضا.. وكان اول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية بعدما طعمها بموال «عتابا» الذي اظهر قدراته الفنية.

Lebanese singer Wadih El Safi performs during a concert in his honour, with the Syrian Al-Farah choir at the Damascus Opera House

 

على المستوى العائلي حافظ وديع على مكانته المهمة لدى الجميع فهو بنظرهم «زينة المحاضر» خفيف الظل، صاحب حضور محبب الى القلوب، ومن بين القلوب التي دقت له بشدة قلب ملفينا فتزوجها وهي في الثلاثين من عمرها وقد اختارتها له والدته التي كانت تربطها صلة قرابة بوالدة العروس اوديت… وهو يعتبر حماته والدته الثانية المؤتمنة على اسراره وخزينة امواله، اذ كان يمدها بالقروش الفائضة عنه بعيداً عن نظر والديه فتخبئها له ويشتري بها فيما بعد بذلة ما او قطعة ثياب يرتديها في احدى حفلاته الصغيرة.

 

ورزق وديع بدينا ومارلين وفادي وانطوان وجورج وميلاد. ولم يكن لدى ابو فادي المتسع من الوقت للاهتمام باولاده فكان يغيب عنهم اياماً طويلة منشغلاً بتمثيل فيلم او احياء حفلة ما خارج لبنان، ولذلك عندما رزق فيما بعد بالاحفاد وعددهم حتى الآن 15 قرر التفرغ لهم للتعويض عما فاته مع ابنائه.

 

لم يشجع ابو فادي اولاده على دخول مضمار الغناء الا انه بالمقابل لم يجبرهم على العكس.

 

وغالباً ما همس الى المقربين منه، ان الوحيد الذي يمكن ان يكون خليفته هو ابنه انطوان الا ان «الخليفة العتيد» الذي رافق والده في الحفلات واستوديوهات التسجيل منذ نعومة اظافره قرر البقاء على مسافة من اجواء الغناء.

 

اراد وديع الصافي ان يثبت خطواته الفنية اكثر فاكثر، فحاول ذلك جاهداً اوائل الستينات عندما عرض عليه نقولا بدران والد المطربة الكسندرا بدران (باسم نور الهدى) في مصر. هناك تعرف الصافي الى ملحنين وممثلين مصريين ومكث حوالي العام ليعود الى لبنان ويتبناه هذه المرة محمد سلمان زوج المطربة نجاح سلام. شارك وديع مع المطربة المعروفة في اكثر من فيلم سينمائي وبينها «غزل البنات» ومن ثم مع صباح في «موّال» و«نار الشوق» عام 1973.

 

جذب المطرب الاجيال بصوته، اطرب الكبار والصغار فغنى مئات الاغاني، منها ما افرح القلوب مثل «لرميلك حالي من العالي» و«لبنان يا قطعة سما» و«جايين» ومنها ما حرك الحنين لدى المهاجرين كاغنية «عا الله تعود عا الله».

 

ويقال ان اغنيتي «ولو» و«ندم» كانتا بمثابة باب جديد تنطلق منه الاغنية العربية فاستوحيت منهما اغان كثيرة بينها «ايظن» من شعر نزار قباني، التي غناها محمد عبد الوهاب وبعده نجاة الصغيرة، وتتمحور حول قصة تحاكي المستمع وتداعب خياله.

 

ولم يشأ ابن الارز ان يستسلم يوماً للنمط العادي، او يقف مكتوف الايدي متأثراً بزحف السنين التي طالته فأحيا اكثر من مائة مهرجان في بعلبك، صيدا وصور ودير القلعة. وشارك في افتتاح اكثر من ليلة لبنانية.

 

على ابواب الثمانين لبى الصافي رغبة منتج لبناني شاب يدعى ميشال الفترياديس الذي دعاه لاحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، جمعية فريق غنائي كوبي وبمقدمهم خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين لم يتردد وحصد نجاحاً منقطع النظير اعاد وهج الشهرة الى مشواره الطويل مطعماً بالعالمية. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني اشهر اغانيه وبينها «عندك بحرية يا ريّس» والمعروفة انها ثمرة تعاون بينه وبين الراحل محمد عبد الوهاب.

 

عاش وديع الصافي فترة طويلة رحالة، يتنقل من بلاد الى اخرى وابرزها البرازيل وفرنسا، حيث بقي فيها طيلة فترة الحرب اللبنانية. تعرض لاكثر من نكسة صحية منها عام 1979 عندما اصيب بمرض باكتيري في رئتيه ومرة اخرى عام 1989 عندما خضع الى عملية قلب مفتوح. ومنذ حوالي السنتين اضاء اللبنانيون الشموع من اجل وديع الصافي بعد ان اصيب بوعكة صحية ألمت بقلبه المتعب بقي على اثرها فترة في المستشفى.

 

كرّمه اكثر من رئيس جمهورية وحمل اكثر من وسام استحقاق منها خمسة اوسمة لبنانية نالها ايام كميل شيمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. اما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الارز برتبة فارس.

حمل ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، الا انه يفتخر باللبنانية ويردد ان الايام علمته بان ما اعز من الولد الا البلد… وهو مستعد للبسمة في اي لحظة ويصفه ابنه انطوان انه «يضحك بالعرض» اي من كل قلبه. من احب الاغاني الى قلبه «الليل يا ليلى»… ووصيته الدائمة لاولاده ان يتسلحوا بالمحبة: «لتكن المحبة زادكم اليومي وانتم تعملون… وانتم تأكلون وانتم تتحدثون وانتم تغنون»
قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني أوائل الخمسينات «ولو» المأخوذة من أحد افلامه السينمائية وكان وديع يومها في ريعان الشباب: “من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت”. فشكّلت هذه الأغنية علامة فارقة في مشواره الفني وتربع من خلالها على عرش الغناء العربي، فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقيل عنه في مصر أنّه مبتكر «المدرسة الصافية» (نسبة إلى وديع الصافي) في الأغنية الشرقية.
تزوج عام 1952 من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.  وفي أواخر الخمسينات شارك مع عدد كبير من الموسيقيين اللبنانيين في عمل لنهضة الأغنية اللبنانية انطلاقًاً من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات “بعلبك”.

وفي عام 1975 اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، فغادر الصافي بلده إلى مصر بعد عام، ثمّ انتقل إلى بريطانيا، ليستقرّ عام 1978 في باريس. وكان سفره “اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان”، ودافع في تلك الفترة عن لبنان الفن والثقافة والحضارة من خلال موهبته.

عام 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. فعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين.

وكان الصافي قد نقل منذ اشهر الى مستشفى جبل لبنان اثر اصابته بكسور لم يشف من مضاعفاتها، لاسيما انتفاخ الرئتين الذي اثر على عضلة قلبه

أعماله

المهرجانات الغنائية

شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية التالية:

  • “العرس في القرية” (بعلبك 1959)
  • “موسم إلعز”، و”مهرجان جبيل” (1960)،
  • “مهرجانات فرقة الأنوار” (1960-1963)،
  • “مهرجان الأرز” (1963)،
  • “أرضنا إلى الأبد” (بعلبك 1964)،
  • “مهرجان نهر الوفا” (الذي فشل ماديًا) 1965،
  • “مهرجان مزيارة” (1969)،
  • “مهرجان بيت الدين” (1970-1972)،
  • “مهرجان بعلبك” (1973-1974).

أفلام سينمائية

شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها:

  • “الخمسة جنيه”
  • “غزل البنات”
  • «موّال» و«نار الشوق» مع صباح في عام 1973.

الأغاني

غنّى للعديد من الشعراء، خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني،زكي نصيف، فيلمون وهبى، عفيف رضوان،محمد عبد الوهاب ، فريد الاطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّى أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير.

كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام كميل شيمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991. كما أحيا الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية.

خسرت الساحة الفنية اللبنانية والعربية فنانا عملاقا اغنى الفن اللبناني والعربي بمئات الاعمال التي خلدته وستبقى خالدة خلود شجر الارز .

وداعا وديع الصافي .

من اسرة  راديو موال  نتقدم باحر التعازي من عائلة الكبير وديع الصافي ومن الشعب اللبناني وكل محبيه

image.php