نظمت المكتبة الوطنية الفلسطينية ووزارة الثقافة والديوان الثقافي الساحوري، ندوة حول “تدمير التراث الثقافي في قطاع غزة”، شارك فيها رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية عيسى قراقع، والخبير والباحث في علم الآثار الدكتور حمدان طه.
وافتتحت الندوة الأستاذة منى اسحق من الديوان الساحوري بكلمة ترحيبية، فيما قدّم مدير مكتب وزارة الثقافة في محافظة بيت لحم فؤاد اللحام، عرضاً مختصراً لما تقوم به وزارة الثقافة على صعيد توثيق عملية التدمير و الإبادة الممنهجة للموروث الحضاري الفلسطيني المادي وغير المادي في غزة.
وقدّم د. حمدان طه ورقة بحثية أعدها حول الموضوع، مستهلاً حديثة بعرض نبذة تاريخية عن غزة، التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية نحو 2000 قبل الميلاد، وكان اسمها (غازتو)، وسميت في مناسبات أخرى وفقاً للمصادر نفسها بغزة الكنعانية، مبيناً مكانتها الحضارية والإنسانية، ومساهمة أعلامها وتجارها في بناء حضارة المنطقة العربية، حيث أظهرت العديد من اللقى والدفائن الأثرية هذه الحقيقة، كالتي وجدت في الجمهورية اليمنية، وهي عبارة عن عقود زواج لنساء غزيات تزوجن من رجال يمنيين.
وأشار إلى أن هذا ما يؤشر على نطاق الحركة الواسعة للإنسان الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، فترك خلفة أثراً مهما جراء نشاطه التجاري والاجتماعي، ما يدل على تنوع وثراء علاقات غزة بمحيطها الحضاري، وجعل من ميناء غزة ميناءً رئيساً لشبه جزيرة العرب على ضفاف المتوسط.
مضيفاً أن غزة تضم جزءاً معتبراً من تراث فلسطين، من بينها ثلاثة مواقع مثبتة على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي، وهي: تل بلاخية والذي يعرف بـ (ميناء غزة القديم – أنثيدون) وتلة (أم عامر – دير القديس هيلاريون)، ووادي غزة كموقع تراث طبيعي، وتضم المقبرة الرومانية في بيت حانون ما يزيد عن 200 قبر، وكانت غزة التي وصفت في غير مكان ومرة، بمدينة النخيل، من أوائل الحواضر الإنسانية التي سكت العملة باسم الشعب، وهو ما يفسر لنا الرغبة الإسرائيلية بالإجهاز على كافة مكونات الموروث الحضاري والإنساني لشعبنا في غزة، لظنها بأنه تطمس مقطعاً مهماً من ذلك الموروث.
وبيّن طه أن التدمير الإسرائيلي في قطاع غزة، طال غالبية الرموز والمعالم ومواقع الاترالآث الثقافي، وهو ما اتضح لنا لغاية الآن، ومن المرجح أن يكون حجم التدمير أكبر من ما رصدنا لغاية الآن، لأن المعركة لم تنتهي والتدمير ما زال مستمراً، وهو الذي يحدث ويتم، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، الذي صمت على التدخل الحيادي لوقف المذبحة، وهو ما يستدل عليه من خلال صمت اليونسكو، إزاء ما يحدث، وهي إشارة دالة على سقوط القانون الدولي في غزة، لعجزه عن القيام بواجباته على غرار ما يقوم به في غير محل ومكان، شهد ما يشهده قطاع غزة من قتل وتدمير.
لهذا سيدفع العالم ثمناً كبيراً، لخرق (إسرائيل) للاتفاقيات الدولية المنظمة لعلاقة الدول، والأطراف ببعضها البعض خلال الحرب، وتجاهل التدابير المتعاقد عليها بين الأمم لحماية المدنيين زمن الحرب، وخاصة اتفاقية لاهاي لعام 1954م، وبروتوكولات جنيف الرابعة سيما المواد الضامنة لسلامة الأعيان التراثية والثقافية.
وأضاف طه، “إن ما تشهده غزة الآن من عمليات قتل وتدمير وإبادة منظمة للبشر والشجر والحجر، لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، منذ أن دمر المغول بغداد في عام 1258م، لأن التدمير الإسرائيلي طال العديد من المواقع الأثرية، ومنها تل العجول وتل السكن ومقبرة دير البلح، التي تضم العديد من التوابيت الأثرية، كما تم قصف العديد من الكنائس ككنيسة القديس برفيريوس، وتم قصف وتدمير العديد من المساجد مثل المسجد العمري في غزة والمسجد العمري في جباليا، ومسجد المحكمة في الشجاعية، ومسجد سيدي هاشم، كما تم تجريف مقبرة بيت حانون ونبش 600 قبر فيها، والعديد من المقابر الأخرى.
كما وتم تدمير مئات المباني التاريخية، ومنها قصر الباشا وهو أثر مملوكي، تم تحويله إلى متحف في عام 2010م، وكان يضم 100.000 قطة أثرية، كما تم تدمير بيت السقا التاريخي وهو من الفترة العثمانية، وتم تدمير المدرسة الكاميلية، وحمام السمرة وكان آخر الحمامات العثمانية في غزة، كما تم قصف المشفى المعمداني وهو بناء تاريخي شيد في عام 1882م.
بدوره بيّن قراقع أن التدمير الوحشي في غزة، طال حتى هذه اللحظة أكثر من 200 موقع أثري وحضاري فلسطيني أصيل، كالمتاحف والمراكز الثقافية والتراثية، كما تم تدمير متحف رفح ومتحف القرارة، وتم حرق (متحف الفندق)، وحرق مئات المكاتب الخاصة والعامة كمكتبة خانيونس، وتم تدمير 12 جامعة ونهب مقتنيات مخازن الآثار وأراشيف وحفظ المخطوطات والجداريات، وتدمير المدارس والجامعات ورياض الأطفال، ومباني الوزارات وحرق سجلاتها ومحفوظاتها الإلكترونية والورقية؛ وحرق دور النشر والمراكز الثقافية، ومقار شركات الإنتاج الفني والثقافي.
كما وحصدت آلة الحرب الإسرائيلية حتى هذه اللحظة، أرواح 44 عالماً من الأكاديميين وأساتذة الجامعات، والكتاب والروائيين والصحفيين وصناع المحتوى، ونشطاء المجتمع المدني، وقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة 94 استاذاً جامعياً 17 منهم يحملون درجة البروفيسور، و59 يحملون درجة الدكتوراه، و18 درجة الماجستير.
وأضاف قراقع إنها فعلاً حرب تطهير عرقي وثقافي شاملة، لهذا ميزت أفعال دولة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمها في غزة، على أنها جرائم إبادة جماعية، ما دفع بدولة جنوب إفريقيا إلى رفع دعواها ضد (إسرائيل) بتلك التهمة أمام محكمة العدل الدولية.
كما دمرت جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 300.000 منزل في غزة، ونهبت محتوياتها من قبل الجنود، وهو لا يكف عن تكرار محاولاته المسعورة لتهجير السكان من منازلهم قسراً وتحت تهديد الرصاص والقذائف.
مشيراً إلى أن ذلك تجسيدى حرفي لدعوات قادة (إسرائيل) ووزرائها لحرق غزة وضربها بالقنابل النووية؛ وعدم إبقاء أي أثر لأي فلسطيني في غزة، وهي دعوات أسست على مقاربة نتنياهو للحرب في غزة بحرب اليهود بقيادة “يهوشع بن نون” مع العماليق الكنعانيين كما ورد في التوراه، وعدم التردد في ذبحهم عن بكرة أبيهم وإبادتهم جميعاً، كما فعل يهوشع وجيشه بسكان مدينة أريحا الكنعانية، وتدمير الكينونة الثقافية والفكرية والحضارية لشعبنا، وقطع دابر السردية التاريخية لفلسطين والفلسطينيين.