احلام لا زالت تنزف/ ثراء دعيس

راديو موال _ شعرت بالحسرة عندما علمت الخبر، فكان الخبر كالصاعقة على أذنيّ، فأخذتني أفكاري من الحدث إلى تفكير بزوجي وأولادي ومستقبل عائلتي الذي ذهب، إلى أين سنذهب؟ هل خسرت أحلامي وأحلام عائلتي؟

تلقيت الخبر في صباح وكنت في حيرة في أمري وكانت المدة لا تتجاوز الساعات، ماذا سأفعل بهذه الساعات؟ كيف ساحل كل الأمور في بضع ساعات؟، لم أكن أدرك أن قصاصة من الورق قادرة على تدمير أحلامنا كان الصباح قاتما، هأنا أقف أمام منزلي ذي الطراز القديم وقد تسمرت كأنني لوح خشبي أحسست بلسعة هواء باردة ترتطم في وجهي حين وجدت ورقة معلقة على الجدار تحمل في طياتها أوامر بهدم بيتنا بحجة عدم امتلاكنا رخصة بناء.
لم اعرف ما الذي على فعله، هل أسارع لإخبار زوجي وأولادي، أم أخرج أثاثنا من المنزل، داهمني الوقت وانا أحاول استيعاب ما يجري ماذا سيحل بي وبأسرتي؟ أين سنذهب؟ مئات الأسئلة بدأت تزور عقلي، وفجأة! دون أن أدرك صرخت بصوت عالٍ: “تعالوا يا ولاد تعالوا خلينا نفضي كل اشي نلحق نطلع الأغراض خلينا على القليلة نبكى طلعنا اشي”، تجمعوا أولادي من حولي؛ لا يعرفون ماذا سيفعلون وما يقومون بإخراجه فكان الوقت يداهمنا، نظرت الى أولادي وإذ بالجمود يسيطر عليهم، فصخرت عليهم “ولكم بسرعة هالوقت بروح وانتو واقفين أسرعوا”، وكأن الروح بثت فيهم، وبدانا في كل ما تراه أعيننا بسحبه وإخراجه من البيت.

وها قد جاءت ساعة الغضب، وأتت سيارات البلدية في معداتها، خرجت من البيت ووقفت أنظر من بعيد لأحلامي وذكرياتي التي ذهبت في لمح البصر. ففي دقائق انتهى كل شيء، ذهبت ذكريات اثنتي عشرة سنة من تعبي أنا وزوجي في البناء، ومأمن أولادي، وقفتُ أنا وزوجي وأولادي ننظر إلى بيت وما حل به، ففي هذا البيت “حطيت مالي وحالي وعيالي وشقاي وكله راح”، جلست أنظر إليه وهو كومةٌ من الحجارة المتراكمة فوق بعضها، أخذت الحجارة واحتضنتها وودعتها واحسست تفاصيل ذكرياتي التي تحملها، فنزلت دمعتي تسقي االم هذه الحجارة، بعدها أخدت أولادي وذهبت إلى بيت أهل زوجي وجلست هناك ما يقارب الأسبوع وكنت شهريا أسدد غرامة مالية فرضها علينا الاحتلال مقابل البناء ” مهو فوق الهم هم” وبعدها بفترة اقترح علينا أخي بأخذ غرفة التي تحت الدرج بيته وأن نقوم بترتيبها ،والاضافة عليها ونسكن فيها وفعلا “عمرناها وحطينا هالأغراض وسكنا فيها صح هي كثير صغيرة بس ولا البلاش”، عندما انهينا من ترتيبها نظرت إليها وقارنت بينها وبين بيت أحلامي الذي وضعت فيه كل ما أملك مقارنة في هذا البيت الذي يعد غرفة في بيتي القديم.
هم لم يهدموا بيتا من حجارة بل هدموا كل أحلامي وتركوني وأسرتي على أطلالها نبكي جرحا نازفا …

ولم يعد أمامي إلا أن أقول: “حسبي الله ونعم الوكيل والحمد لله على كل اشي صار”.