راديو موال: لم تُستثنَ المرأة الفلسطينية من الاعتقالات الإسرائيلية، ولا تختلف الأشكال والأساليب، التي يتبعها الاحتلال عند اعتقال المرأة الفلسطينية، عنها عند اعتقال الرجال، في محاولة لإرهابها وردعها وتحجيم دورها وتهميش فعلها، أو بهدف انتزاع معلومات تتعلق بالآخرين، وأحيانا يتم اعتقالها للضغط على أفراد أسرتها لدفعهم إلى الاعتراف، أو لإجبار المطلوبين منهم على تسليم أنفسهم.
وفي تقرير أصدره الباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصرة فراونة، بمناسبة العام الجديد، أوضح أن الأسيرة الفلسطينية تتعرض أثناء الاعتقال إلى تحقيق قاسٍ، وتعذيب جسدي ونفسي، وقمع وتنكيل وقهر وحرمان، دون مراعاة لجنسها وخصوصيتها، ودون توفير الحد الأدنى من احتياجاتها الخاصة. واشار لما تعانيه الأسيرة من مأسي وظروف قاهرةأثناء نقلها في ما تُعرف بسيارة “البوسطة”، التي يتم بواسطها نقلها بين السجون أو المستشفيات والمحاكم. حيث عانت كثيرا أثناء التنقل جراء من الاعتداء الجسدي أو اللفظي، أو الاثنين معاً، لتشكل عملية النقل رحلة عذاب، هذا إضافةً إلى معاناة الأسيرة داخل غرفة “المعبار” في سجن “هشارون” التي لا تصلح للحياة الآدمية، إذ تضطر لأن تنتظر فيها ساعات طويلة، أو المكوث فيها أيام عدة كمحطة انتظار، قبل استكمال نقلها إلى السجن المقصود أو المحكمة المحددة.
عذابات لا تنتهي..
ويؤكد فراونة أن معاناة الأسيرة تزداد، ولربما عذاباتها فاقت عذابات رفيقها الرجل، ومع ذلك لم تتراجع عن دورها، ولن تنكسر أمام سجانيها، لتسجل تجربة نضالية واعتقالية حملت الكثير من الخصوصيات والمعاني والدلالات.
ويضيف: “عانت الأسيرة الفلسطينية الكثير الكثير، وقدمت تضحيات جساماً على مدار مراحل النضال المختلفة، وسطرت صوراً رائعة من البطولة والصمود، يفتخر بها جنسها، ويحفظها في الذاكرة الجمعية لنضالات المرأة في العالم، مشيراً إلى أن الأسيرة الفلسطينية خاضت مع إخوانها الرجال مواجهات كثيرة ضد إدارة السجون، وشاركتهم معارك الأمعاء الخاوية (الإضرابات عن الطعام)، ذوداً عن الكرامة واحتجاجاً على سوء المعاملة ومطالبة بالحقوق الأساسية وتحسين الأوضاع المعيشية والحياتية.
تحويل السجن إلى مدرسة
ويؤكد فراونة أن الأسيرة استطاعت أيضاً أن تحول السجن إلى مدرسة، ووقفت بإرادة صلبة أمام كل أساليب التفريغ والتطويع والاضطهاد، لتبني داخل السجن مؤسسة ثقافية وتنظيمية وفكرية، وتخلق حالة إنسانية عالية من التحدي، رغم الحصار الثقافي والتعليمي والقيود المفروضة والإجراءات القمعية، موضحاً أنها حافظت بذلك على كرامتها ووجودها ومبادئها، أمام سوء الأوضاع وقسوة السجان الإسرائيلي.
16 ألف أسيرة
ويفيد فراونة أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل منذ العام 1967 إلى حين كتابة هذه السطور نحو ستة عشر ألف مواطنة، من أعمار وشرائح وفئات طبقية مختلفة، فشملت الاعتقالات أمهات وزوجات، ونساء كبيرات طاعنات في السن، وحوامل ومريضات ومعاقات، وفتيات قاصرات وطالبات في مراحل تعليمية مختلفة، وكفاءات أكاديمية وقيادات مجتمعية ونائبات منتخبات في المجلس التشريعي.
أول أسيرة..
ويحفظ التاريخ الفلسطيني أن الأسيرة الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة هي المناضلة فاطمة برناوي، التي اعتقلت كما يفيد فراونة، بتاريخ 14 تشرين الأول عام 1967، إثر اتهامها بوضع قنبلة في سينما صهيون في مدينة القدس، حيث حُكم عليها آنذاك بالسجن المؤبد “مدى الحياة”. لكن القدر لم يشأ لفاطمة أن تقضي في الأسر سوى عشر سنوات، فأُطلق سراحها في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1977.
كما يحفظ التاريخ أن الأسيرة المحررة لينا الجربوني من الداخل كانت “عميدة الأسيرات”، وأكثرهن قضاءً للسنوات في سجون الاحتلال، حيث اعتقلت في الثامن عشر من نيسان عام 2002، وأمضت خمس عشرة سنة متواصلة قبل أن يُطلق سراحها في نيسان من العام 2017.
إنجاب داخل السجون
ويرصد الباحث فراونة أنه خلال سني الاحتلال الطويلة اعتقلت سلطات الاحتلال العشرات من النساء الحوامل، وأن بعضهن أنجبن أولادهن داخل السجن، فكانت الأسيرة “زكية شموط” من مدينة حيفا المعتقلة أواخر عام 1971 هي أول أسيرة فلسطينية تلد داخل سجون الاحتلال بعدما اعتُقلت وهي حامل في شهرها السادس، وأنجبت مولودتها “نادية” داخل السجن.
إضراب عن الطعام
ويذكر فراونة أن الأسيرة الفلسطينية “هناء شلبي” من جنين سجلت الإضراب الفردي الأطول في تاريخ الحركة النسوية الأسيرة، حينما خاضت إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر (44) يوماً متواصلاً قبل أن تُنهي إضرابها ويتم إبعادها إلى غزة في الأول من نيسان عام 2012، فيما تُعتبر الأسيرة “هبة اللبدي” آخر الأسيرات اللواتي خضن إضراباً عن الطعام رفضاً للاعتقال الإداري، الذي استمر (42) يوماً، وذلك بعد موافقة سلطات الاحتلال على طلب الحكومة الأردنية والإفراج عنها أوائل شهر تشرين الثاني الماضي، وتسليمها للأردن كونها تحمل الجنسية الأردنية.
الإسيرات خلال العام المنصرم
وفي تقريره، يذكر فراونة أنه خلال العام 2019 اعتقلت سلطات الاحتلال نحو (128) فلسطينية، بينهن أمهات وقاصرات، وصعّدت من قمعها لهن، وما زالت تحتجز في سجونها نحو (40) أسيرة، وتقبع (37) أسيرة منهن في سجن “الدامون”، بينهن النائب السابقة “خالدة جرار”، وثلاثة أخريات في سجن “هشارون”، موضحاً أن (27) من اجمالي الأسيرات يقضين أحكاماً مختلفة، وأعلاهن حُكماً الأسيرة شروق دويات، وشاتيلا عيّاد المحكومات بالسّجن 16عامًا، والأسيرتان عائشة الأفغاني، وميسون الجبالي المحكومات بالسّجن 15عامًا، والأسيرة نورهان عواد 13 عاما، والأسيرة الجريحة اسراء جعابيص 11 عاماً، وكل من الأسيرات فدوى حمادة وأماني الحشيم وملك سليمان المحكومات بالسجن 10سنوات، فيما لا تزال (13) أسيرة موقوفات، ومنهن (4) معتقلات رهن الاعتقال الإداري، وهن: بشرى الطويل وشذى حست من رام الله، شروق البدن من بيت لحم، وآلاء البشر من قلقيلية.
أوضاع صحية صعبة
ويكشف فراونة أن عدداً من الأسيرات يعانين من أوضاع صحية صعبة، كالأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص التي تبلغ من العمر 34 عامًا، وقد اعتقلت جريحة بتاريخ 11 تشرين الأول 2015، وحُكم عليها بالسجن الفعلي لمدة 11 عاماً بتهمةٍ أُلصقت بها، وذلك حين انفجرت أُسطوانة غاز كانت تتقلها بسيارتها بالقرب من حاجز عسكري نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار على سيارتها. ومع الانفجار اشتعلت النيران في سيارتها والتهمت الحروق جسدها، وأُصيبت بجروح من الدرجات الأولى والثانية والثالثة في 50% من جسدها، موضحاً أنها بحاجة إلى رعايةٍ صحيةٍ ومزيدٍ من العمليات الجراحية، ومعاناتها تتفاقم في ظل استمرار سياسة الاهمال الطبي المتعمد.
ويخلص فروانة للقول: “إن معاناة الأسيرة الفلسطينية تتعدى الوصف، وصور عذاباتها في سجون الاحتلال متعددة، تصلح لأن تكون سيناريوهات سينمائية، وقد يُخيل للبعض أن وصفنا مبالغ فيه، وربما كان سبب ذلك اقتصار دلائل الإثبات لدينا على الروايات والشهادات، التي تقدمها الضحايا، في ظل إصرار دولة الاحتلال على أن تُبقي أبواب سجونها مغلقة أمام وسائل الإعلام والمنظمات الدولية وممثلي مؤسسات حقوق الإنسان”.