راديو موال – دنيا غنيم / لم تتردد الأم سماح غنيم من بلدة الخضر جنوب بيت لحم، ولو للحظة واحدة أن تكون القربان لإبنتها الوحيدة زينه تلك الطفلة ” المريضة بفشل كبدي، إذ تتبرع الأم لها بجزء من كبدها؛ لتمنحها فسحة في هذه الدنيا.
قصة زينة ذات الأعوام الأربع، بدأت بعد ولادتها بثلاثة شهور؛ حين لاحظت أن هناك اصفرارا في عينيها، هنا توجهت الى أحد الأطباء وبعد الفحص تبين إصابتها بفشل كبدي، ومنذ تلك اللحظة بدأ مشوار المعاناة للأسرة بكاملها… وجدت الأم نفسها أمام امتحان صعب؛ يا الله! ما أصعب هذا الامتحان! كان عليا أن اجتازه فأكون أماً تدفع من حياتها ما يحيي فلذة كبدها، لقد بدأت المطارق تتناوب على رأسي ولم أعد استذكر سوى مقولة: ” الأم صندوق جواهر كلما وضعت يدك فيه تخرج ثمينة “، لم اهدأ بعد اكتشاف المرض، ما عاد يهمني أن أشبع من أكل أو نوم، لقد تغيرت حياتنا بدرجة كبيرة، كل الاهتمام انصّب على رعاية ” زينة ” وصرت على استعداد أن أدفع حياتي ثمن حياة ابنتي ” زينة “.
غابت عنّا كل مظاهر الفرح والبهجة، ليس لأننا استسلمنا للأمر الواقع، بل عندما كنت انظر إلى طفلتي وأرى في عيونها الحزن، بعد ان كانت السنون تتقدم بها حتى أنها في احدى المرات قالت لي: ” ماما ليش ليش عيوني صفر، وانا بروح على الدكتور وبشرب الدوا”.
كنت أبكي حين أرى زينة لا تستطيع النوم، الليل هو خصمنا في هذه المعركة، حين كان يحل الليل تبدأ معاناتها مع المرض، تصرخ، تبكي، ثم من شدة الألم تأخذ بحك جلدها وكنّا نقوم بمساعدتها حتى ينزف الدم منها، قبل أن تغفو في نومها.
وتمضي الأيام، وأنا أسخّر كل وقتي الى جانب والدها وبذلنا الكثير، ورغم الوضع الاقتصادي الصعب، لم نؤل جهد في تقديم كل ما نملك من مال حتى نصل بها الى بر الأمان.
وأصعب شيء في الحياة أن تجد نفسك عاجزاً عن تقديم المساعدة الى فلذة كبدك، وقفنا أمام المشهد عندما بدأنا في رحلة علاجها، وصولاً إلى إخبارنا من قبل الدكتور أنها تحتاج الى زراعة كبد، هنا، بدأت رحلة الشقاء الأكبر، كيف سنوفر لها ثمن الزراعة أو كيف تجد يتبرع لها بجزء من كبده، أو أن يتطابق الأمر مع الوالدين.
رغم حديثها الذي يحمل في طياته الألم والوجع، ابتسمت وقالت: الذي يكون إيمانه بالله قوي لا يخيبه، انطلقت انا وزوجي للبحث عن مصدر للرعاية او متبرع، فقد كنت امكث الليل وانا اتضرع الى المولى عز وجل ان يكون كبدي مطابقا لها، وبعد الفحوصات جاءت البشرى الأولى بتطابق الأمور لكن الأمر لم ينتهِ وبدأنا بالبحث عن ثمن الزراعة.
لم تفارقني المتاعب، لكنها ازدادت حين نصحني العديد من الأهل والأصدقاء ألا آقدم على هذه الخطوة لخطورتها، فكان ردي ” لن اتردد، لن أعيش وطفلتي تتعذب، لو كلفني ذلك حياتي!
تابعت، كان علينا أن نطرق أبواباً عديدة، خاطبنا الرئيس محمود عباس، وبتوجيهاته تم تحويلنا الى جمعية إغاثة أطفال فلسطين التي قامت بمخاطبتنا والشروع في إجراءات طبية للتوجه الى تركيا، وبحمد الله سارت الأمور بتوفيق الله ولطفه.
في الأول من حزيران من هذا العام سافرنا إلى تركيا وبدأت مرحلة علاج جديدة وسط مخاطر محفوفة، وأمام إرادة وإصرار قويين.
صباح يوم 12 حزيران كان نقطة التحول عندما خضعت لعملية اخذ الكبد مني بنسبة 60%، ومن ثم زراعته لطفلتي في عملية استمرت حوالي 12 ساعة، لنمكث بعدها 78 يوما فترة علاجها قبل ان نعود الى ارض الوطن.
الحمد لله الآن عادت الروح مجدداً الى منزل العائلة، وتعيش زينة حياة طبيعية دون أية مضاعفات بتاتاً مع انتظامها في تناول بعض الادوية مؤقتاً، ما أريد قوله ان الابن يبقى غالياً على قلب والديه، ولا أعتقد أن هناك أب او أم يمكن أن يتنازل عن فلذة كبده.
بدوره قال الدكتور الذي يشرف عليها هنا في فلسطين، عبد خلايله: إن هناك العديد من الأطفال الذين يعانون مشاكل في الكبد ويحتاجون الى الزراعة ولكن للأسف لا يوجد هناك نظام في الأراضي الفلسطينية يساعدهم مرورا بزراعة الكبد، بمعنى نظام صحي يتلخص بطريقتين سواء التبرع بجزء من الكبد من قبل الاهل أو تبرع الأموال.
وأضاف خلايله ان نسبة الوفيات عالية للذين يعانون مشاكل في الكبد، والطفلة زينة عانت كثيرا لكن كان والدها ووالدتها يحرصون بالبحث عن السبل الكفيلة لإنقاذ حياتها، توجهوا لي وأشرفت عليها وكان وضعها صعباً جدا في ظل مرور الوقت وهي بحاجة إلى زراعة لكن الأمر هذا يوجد فقط في مستشفى “هداسا” بالقدس وهذا يكلف مبالغ مالية تصل الى مليون شيكل.
وأشار إلى أنه حرص على حضور عمليتها في تركيا وبالفعل حدث ذلك، والحمد لله هي الآن بصحة جيدة وتعدت كل المراحل السابقة، وكأن المرض لم يكن لافتاً انه في العالم بحاجة الى زراعة كبد من كل مليون يتراوح العدد من 15-20 كل سنة بمعنى أنه في فلسطين وحسب السكان هناك ما بين 50-70 طفل بحاجة الى زراعة كبد سنويا.