مسافر في بلادي

راديو موال – / دلال عباسي / مضى الليل سريعا وشق الصباح معلنا يومي الأول , اليوم الذي سأغدو فيه مغامرا لا يفقه في مغامرته شيئا إلا التعب والشقاء الذي ينتظره , حملت بعضا من الملابس وقوت يومي الذي كانت زوجتي قد حضرت لي إياه في اليوم السابق تجهزا للعمل الذي أتاح لي إياه التصريح الذي قمت بإصدراه بعد عناء وتوكيل محام خاص لإتمام إصداراته اللازمة. استقليت سيارة أجرة حتى الحاجز العسكري لمدينة بيت لحم ,وانغرست في الحشود المتدافعة التي جعلتني أتراوح يمينا ويسارا حتى أتيح لي الوصول إلى المرحلة الثانيه وبعد تفتيش ما أحمل من متاع حان وقت عرضي للتصريح ,لقد أخذت دقات قلبي بالتسارع كما لو أنني أهبط من مكان شديد الارتفاع ,إنها المرة الأولى التي سأعبر بها إلى الأراضي المحتله ,:”سامر الجعبه”. ناداني المجند فقلت :”نعم” ,تأكد من بطاقتي الشخصية وتصريحي وبعد التمعن في شكلي ووضعي للبصمة سمح لي بالعبور ,يا إلهي لا أكاد التصديق لقد دخلت بشكل قانوني وبدأت بوادر حلمي بالتحقق.

رحلة العمل

كانت سيارة الرجل الذي تعاقدت معه للعمل تنتظرني بعد خروجي من الحاجز أنا وبعض العمال الأخرين ,ثم توجهنا نحو تل الربيع ,لقد استغرقت الطريق من يقارب ساعتين ونصف ,لكنني لم أشعر بها لإنني كننت أستغل كل ثالنية للتمعن في جوانب الطرقات ,لم أتوقع أن أرى جمالا بهذا الكم في بلادي .

وصلنا ورشة العمل وإذا بها ورشة بناء انظر إلى ما دارت به الأيام ,كافحت سنين لأخذ شهادة الهندسية المدنية لكنها أودت بي في نهاية المطاف إلى ورشات البناء لا بأس ,كل صعب يهون في سبيل إرجاع أرضي التي سلبها مني أخوتي من حقي في ميراث أبي ,لقد كان العمل شاقا بشكل لا يوصف وخصوصا أن الوقت كان في ذروة شروق الشمس ,إضافة إلى أن طعامي قد نفذ وسيتحتم علي الانتظار حتى انتهاء الورشة كي أستطيع الذهاب إلى أقرب بقالة وأبتاع ما أريد ,دقت ساعة الرابعة مساء معلنة انتهاء يومي الأول وجاء رب العمل لمقاضاتنا الأجور,لقد شعرت وكأن نارا تأكل جوفي من الذل الذي كنت أشعر ,اصطففنا كالطابور وتلقى كل منا أجره ,لم أخبركم أنني أعمل أسبوعا كاملا وأعود إلى بيتي في نهايته ,كان هذا اتفقاتي مع المسؤول منذ البداية لصعوبة المواصلات وبعد المسافة.

نمت للمرة الأولى دون أن تقبلني شام ,إنها ابنتي الصغيرة شقتيتي التي لم يرزقتي الله إياها ,وشعرت بحنين إلى زوجتي سمية ,وشوق كبير كما المغترب فأنا يا أصدقاءي مسافر في بلادي .

انتهاء الأمل

مضى أسبوع وأسبوعان وتوالت الأيام حتى استطعت تجميع ثمن أرضي المسلوبه ,كنت أحصي المال المطلوب وفي صدري فرحة لم تسعها الأرض , لقد حان الوقت ,إنه وقت استعادة حقي المسلوب وقطاف ثمرة جهدي ,قمت بالاتصال بأخي وناديته عندي رغم الشقاق الذي طال سنوات عديدة بيننا وأعطيته المبلغ الذي كنت قد ثمنت به الأرض مطالبا إياه ببيعها لي ,وهنا كانت الصاعقة لقد احترقت جميع أمالي بلحظة ,لم أتوقع أن يصل حب المال والجشع ألى تلك النقطة لقد باع أخي أرضه للاحتلال بحجة أنه كان مجبرا نتيجة للتوسيع الذي تقوم به  بلدية الاحتلال .

لم يستطع قلبي حمل سوء الخبر , فهرعت مسرعا في الظلام إلى قبر أبي .. رحمك الله يا أبي .