المؤبد الذي يلاحق الأم وإبنها …

راديو موال –كتبت منال سرحان/ على بعد خطوات من مفتاح العودة في مخيم عايدة شمالي بيت لحم الذي يعتبره اللاجئين الفلسطينيين رمزا للعودة لديارهم التي هجروا منها عام 1948 ، تعيش الحاجة مزيونة ابو سرور 78 عاما وهي والدة الاسير ناصر ابو سرور المحكوم بالسجن المؤبد وامضى 27 عاما في غياهب سجون الاحتلال وهي تحمل هموم النكبة المستمرة منذ 71 لتتجسد معها رحلة المعاناة حتى يومنا هذا .

حكم المؤبد

سنوات كثيرة مضت وما زالت أم ناصر تنتظر عودة إبنها إلى المنزل والتي طالما انتظرت هذه اللحظة والتي كلما أقتربت باعد الإحتلال بينها وبين إبنها والذي يواصل إعتقاله في سجنه منذ عام 1993، لينفذ حكمً بالسجن مدى الحياة، بتهمة مشاركته في قتل ضابطٍ إسرائيلي برفقة ابني عمه؛ الشهيد ماهر أبو سرور والأسير محمود أبو سرور.

ذكريات ما زالت حاضرة

عندما تبدا الحاجة مزيونة إستعادة ذكرياتها مع إبنها تستطرد من ذاكرتها لحظات من العمر أصبحت بالنسبة لها شريط حياتها التي يرافقها منذ طفولته وشبابه وهو يدبك أو يسبح، أو يضحك، أو يجلس أمام البحر في رحلةٍ ذهب بها مع أصحابه، وبعض من اللحظات التي سمح بها الاحتلال لها بلمسه واحتضانه في السجن، ورغم أن الملامح والابتسامات تغيّرت إلا أن أم ناصر ظلت  تستحضر الذكريات بقوة .

“لا تختلف الأبواب والنوافذ كثيرأ ” هكذا عبرت الحاجة مزيونة عن المنزل الذي تعيشه فيه والذي وصفته بالسجن ذاته الذي يقبع فيه نجلها وكانها تنفذ حكم الواقع بمؤبد إنتظار لا ترى في الافق أي من إنفراجاته . تأخذنا الحاجة مزيونة إلى غرفتها وترينا سرير ناصر الذي اشترته قبل إزالة اسمه من الدفعة الثالثة ووضعته بجانب سريرها، لتعوّض الأيام والسنوات التي عاشها بعيدًا عنها.  ورغم أن مزيونة لا تستطيع القراءة، إلا أن ناصر لا يفوّت فرصة دون أن يكتب لها الرسائل، ليذكرها بطفولته التي لم تنسها يومًا .

النكبة التي لم تنتهي

الحاجة مزيونة وهي ابنة قرية الخضر تزوجت في المخيم وعايشت الايام الاولى للنكية خصوصا في الخيام وحاولت الهرب ثلاث مرات الى منزل عائلتها بقرية الخضر بسبب الوضع الصعب حيث كانت في حينه تبلغ من العمر نحو خمسة عشر عاما ولم تكن تدري انها ستبقى في المخيم كل هذه السنوات . وترى الحاجة مزيونة الى ان الحياة في المخيم كانت وما زالت صعبة مستذكرة الحياة بالمخيم في ظل كل المراحل مشيرة الى ان اصعبها كان في البداية للمخيم ومن ثم مرحلة اعتقال نجلها ناصر  إلى حين محاولات الإفراج عنه التي بائت بالفشل في صفقة الاسرى الاخيرة ويرفض الاحتلال الإفراج عن ناصر، بالرغم من كونه من الأسرى القدامى، ويأتي ذلك في سياق الوعد الذي قطعته مخابرات الاحتلال له: “يجب أن تكون في السجن”، كما تقول مزيونة .

رحلة المعاناة إلى السجن !

لم يكتفي الإحتلال بحكم المؤبد على ناصر بل ضم والدته إلى أقسى عقوبة عرفتها البشرية بحرمانها من رؤية نجلها لسبع سنوات متواصلة في بداية إعتقاله ، ثم بدأ بالسماح لها بزيارته مرة واحدة كل عامين، واستمر هذا الحال حتى العام العشرين من الاعتقال، وأصبح يمنح الاحتلال الحاجة مزيونة تصريحاً للزيارة كل شهر، ورغم قيد السجن ومعاناته، لم يدخل اليأسَ قلب “ناصر”، عندما اعتقله الاحتلال قبيل إنهائه تخصص البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة بيت لحم، فتخرج حديثاً من جامعة القدس، وحاز على درجة الماجستير في العلوم السياسية.

حلم لم ينتهي !

ومع مرور السنوات وتقدم العمر تحاول الحاجة “مزيونة” الحفاظَ على عينيها اللتين أنهكتهما الدموع، والتي كادت أن تبيض من الحزن، لتتكحل برؤية ابنها محرراً قبل لحظات الوداع. فهي تأمل ان يأتي اليوم الذي تنال هي ونجلها حكما بالإفراج من مؤبد أوشك على أن يقضي على عائلة تحلم بالحرية .