راديو موال – وقّع الكاتب والمفكًر الفلسطيني غازي صوراني، كتابه “التطوّر الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني”، اليوم السبت، في حفلٍ نظّمته اللجنة الثقافية لجمعية الهلال الأحمر في قاعة المؤتمرات بمقرّها في مدينة غزة، بحضورٍ نخبويّ كبير، وبمشاركة أستاذ العلوم السياسية د.وسام الفقعاوي، وأستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة د.سامي أحمد.
ويقع الكتاب، في 122 صفحة، وثلاثة أقسام: أوّلها كان “مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتاريخي”، والثاني تركّز على “تطوّر مفهوم الأخلاق في المجتمع الفلسطيني”، والثالث تحدّث عن “د.حيدر عبد الشافي والوحدة الوطنية”.
من جهته، أشاد أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة د.سامي أحمد بالكتاب الذي اعتبره “امتدادًا لسلسة من الكتب التي أطلقها المفكّر اليساري غازي الصوراني، والذي سلّط الكاتب من خلاله الضوء على المنظومات الفلسفية والفلاسفة آرائهم حول تطوّر فلسفة الأخلاق والقيم السائدة في المجتمعات والأمم في العصور المختلفة، كما تحدّث عن منظومة الأخلاق في المجتمع العربي وتطوّر مفهوم الأخلاق في المجتمع الفلسطيني”.
وأضاف أحمد خلال كلمةٍ له في الحفل الذي قدّمه عضو اللجنة الثقافية في الجمعية، صالح زقوت، أن الكتاب اشتمل على عدّة مباحث وموضوعات، فعرّف المفكّر الصوراني في القسم الأوّل “مفهوم الأخلاق بعد تناوله للآراء الفكريّة والمدارس على أنها ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورةٍ واعية وهادفة بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطوّر المجتمعات البشرية، وهي أيضًا شكل من أشكال الوعي الاجتماعي يقوم بمهمة ضبط سلوك الناس وتنظيمه في كافة مجالات الحياة”.
ولفت أحمد إلى الكتاب تحدّث عن “مفهوم الأخلاق عند المذاهب والديانات في حضارة الشرق القديم مُستهلاً بالفلسفة الهندية القديمة، كما تناول الفلسفة الإغريقية اليونانية، ثم أجمل المبادئ الأساسية للأخلاق عند سقراط رائد الفلسفة الأرستقراطية، ثم تحدّث عن عن أرسطو صاحب المنظومة الفلسفية الكبرى، وتحدّث عن التيارات والمدارس التي ظهرت في العصر العبودي منها المدرسة الريبية، والمدرسة الأبيقورية، كما تناول الكتاب المرحلة الإقطاعية والفكر السياسي، وتحدّث عن المفهوم الجديد للعلم عند ديكارت صاحب أشهر عبارة في الفلسفة (أنا أفكر إذن أنا موجود)، كما أشار إلى الفكر التجريبي وعصر التنوير والمساواة من بينهم جون لوك وغيره”.
وأردف أحمد “تناول الكتاب أيضًا العديد من الفلاسفة أصحاب الاهتمامات الجديدة بالروح الانسانية وعصر التنوير فلاسفة الحركة العقلية الدينية، وتحدّث عن فلاسفة عصر الأيديولوجيات أمثال هيجل وكارل ماركس وأوغست كونت ونيتشه وفولتير وكانط، وتناول التيار الفلسفي الذي يميل إلى الحريّة التامة وهم أنصار الفلسفة الوجودية أمثال سارتر، وسلّط الكتاب الضوء على الفلسفة الاسلامية ومذاهبها ودور العلماء والعلم العربي بهذا المجال، ولم يغفل الكتاب الجماعات الاسلامية منها الخوارج التي أجمع أتباعها على أن الثورة واجبة على أئمة الفسق والفجور، كما تناول أشهر ما نبغ في الفلسفة في الاسلام خاصة فيما يتعلق بموضوع التوفيق بين العلم والدين”.
أمّا عن القسم الثاني من الكتاب، بحسب أحمد “فسّر تطوّر مفهوم الأخلاق في المجتمع الفلسطيني والذي تطرّق بشكلٍ عام إلى أثر أنماط الانتاج في المجتمع الفلسطيني على العلاقات الاجتماعية وتحديد تاريخي للأنماط الاقتصادية المختلفة وكيف رافق كلاً منها علاقات اجتماعية معينة، كما تناول هذا القسِم الانقسام الفلسطيني وآثاره الكارثية على المجتمع الفلسطيني وما له من انتهاك للنظام الأخلاقي للمجتمع الفلسطيني، والصراع على المصالح الفئوية بين أطراف الانقسام وانعكاس الانقسام على الهوية الوطنية الفلسطينية والقضية الوطنية برمتها”.
وبيّن أحمد أن القسم الأخير من الكتاب “تحدّث عن الدكتور حيدر عبد الشافي والوحدة الوطنية، مُشيرًا إلى حياة الراحل الوطني الديمقراطي منذ نشأته، ومسيرته الوطنية، ومبادئه، وحرصه على الوحدة الوطنية منذ وقتٍ مبكر”، خاتمًا حديثه بالتأكيد على أنه “لابد من وجود فلسفة أخلاقية للحضارة كي تستمر مسيرتها، وإن انهيار أي حضارة لا يكون إلا إذا انهارت منظومتها الفلسفية الأخلاقية التي قامت عليها الحضارة”.
وفي مداخلته، التي تناول فيها علاقة الأخلاق بنظام الحكم من خلال عدد من المسائل التي تحاكي الوضع العربي عمومًا والفلسطيني خصوصًا قال د. وسام الفقعاوي، إن الكتاب ناقش علاقة الأخلاق بنظام الحكم من خلال عدّة مسائل منها: المسألة الأولى: “فقد اعتبر الفيلسوف الألماني هيجل بأن الإنسان يشترك مع الحيوان في حاجات طبيعية كثيرة وأساسية: الحاجة إلى الطعام، والمأوى والنوم، والجنس.. وغيرها، لكنه قبل ذلك كله يحتاج إلى المحافظة على حياته، والإبقاء على وجوده واستمرار نوعه.. غير أن الإنسان عند “هيجل” يختلف اختلافًا جوهريًا عن الحيوان من حيث أنه لا يشتهي أشياء مادية محسوسة فقط، قطعة لحم أو خبز أو سترة تقيه البرد.. الخ وإنما يشتهي أيضًا أشياء معنوية ضرورية وفي مقدمة ذلك هو أن يعترف البشر بآدميته، يريد من الآخرين أن يعترفوا بأنه “كائنًا بشريًا” موجودًا له قدره، واحترامه وكرامته وقيمته. بل ذهب هيجل، إلى أن الإنسان كثيرًا ما يقبل أن يضحي بحياته من أجل العمل على صيانة “معناها”.. أي معنى حياته”.
وتابع الفقعاوي “هذا الذي جعله يذهب إلى أن الرغبة، في نيل الاعتراف والتقدير هي محرّك التاريخ، فهي التي تدفع البشر إلى الدخول في عراك مع الحياة حتى الموت يسعى كل فرد من خلال هذا العراك، إلى اعتراف الآخر بقيمته وجدارته”.
وحول المسألة الثانية، أوضح الفقعاوي أنها تتأسس على الأولى “فكيف تنظر السلطة القائمة إلى الديمقراطية؟ وهل تعتبرها تجربة إنسانية جاءت بعد كفاح الإنسان وصراعه من إثبات آدميته وكرامته وقيمته؟ ومن هنا فإن العقل البشري يفرضها، والأخلاق تحتمها للمحافظة على إنسانية الإنسان وحريته.. أي أن الديمقراطية لا شرقية ولا غربية، إنما هي تجربة الإنسان بما هو إنسان.. هنا قد يطرح بالطبع الأساس الاقتصادي – الاجتماعي للديمقراطية المقصودة. وفي حالتنا الفلسطينية قد يطرح البعض هل يمكن أن نُقدم نموذجًا ديمقراطيًا في ظل الاحتلال.. أقول نعم، لكن في التجربة الديمقراطية، جرى امتهان حق وكرامة المواطن الفلسطيني، الذي أدلى بصوته في صناديق الاقتراع، وهذا الأمر ذو دلالة سياسية وقانونية وأخلاقية – ضميرية، بحيث تحولت الديمقراطية من مهد لبناء نظام ديمقراطي تعددي إلى لحد أو قبر، وهذا اللحد أو القبر يزداد عمقه يومًا بعد يوم، رغم كل الدعوات التي تطلق لانتخابات تنهي حالة الانقسام”.
أمَّا المسألة الثالثة كما شرح الفقعاوي خلال الحفل الذي تواجد فيه مراسل “بوابة الهدف”، أن هناك “من يعتبر أن المشكلة الرئيسية في سلوك الحاكم الأخلاقي، وليس نوع الحكم القائم، وكيف نشأ هذا النظام؟ وهل هناك إمكانية لأن يقف هذا النظام على المصالح العمومية للناس/المواطنين؟ وهذا بدوره يوصلنا لسؤال: هل يمكن للسلطة القائمة أن تصبح سلطة كل مواطنيها؟ أم أن السلطة غدت مصدرًا للاغتناء والجاه والنفوذ وغير ذلك من فساد وإفساد وبالتالي لن تكون سلطة كل مواطنيها؟ لنصل للقول بأن “صوت الإنسان الفقير جدير بسلطة مماثلة”، خاصة وأننا أمام اتساع قاعدة الفقر لتصل إلى أرقام مخيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة”، مُضيفًا في حديثه حول المسألة الرابعة “هي أن الحكم عن طريق مفاهيم أخلاقية ليس حكمًا نسعى إليه، ولا يجب أن نسعى إليه، لأنه لن يوفر لنا الحقوق ولا السعادة، بل هو الكارثة بعينه، لأنه يحيل الحكم إلى طغيان واستبداد. فالمفاهيم الأخلاقية، ذاتية فضفاضة، وهي ما لم تتحول إلى قوانين سياسية مستقرة، تحكم المجتمع، فسوف تستخدمها إرادة الفرد وتفرغها من مضمونها وتحكم حكما ذاتيا تعسفيا، يسوق الناس إلى السجون كما يجري اليوم في بلادنا، وقد يسوقها لاحقا إلى حبل المشنقة”.
وعن المسألة الخامسة، قال “في الواقع أن نظام الحكم الأخلاقي الذي يعتمد على “الرئيس الفاضل” أو “الراعي الصالح”، يجعل الشعب –صاحب المصلحة الأولى في النظام السياسي- بلا أدنى قيمة، إذ يضعه في الدرك الأسفل من النظام، فلا رأي لهم ولا مشورة إذ يكتفى بأهل الحظوة أو المقربين من شخص الرئيس أو أهل “الحل والعقد، وفي هذه الحالة فإن قيام نظام الحكم على أسس أخلاقية يعني أن المواطن ليست له حقوق، وإنما ما يناله لا يتعدى أن يكون هبات أو مكرمات أو منة أو واجبات تفرضها أخلاق الحاكم فحسب”.
وأكَّد الفقعاوي خلال حديثه على أنه “في ضوء هذا الواقع المرير الذي نحياه، وفي ظل صراع وجودي تاريخي وشامل مع العدو الصهيوني، يتطلب حشد كل الطاقات والكفاءات والإمكانات، وترسيخ أصول وقيم جماعية منظمة، تكون فكرة “الوعي الذاتي” بالغة الأهمية لمجال الأخلاق بقدر أهميتها للتفكير والعلم والسياسة”.
بدوره، بدأ الكتاب والمفكّر غازي الصوراني حديثه بتوجيه التحيّة إلى كافة الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني، وشاكرًا جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني واللجنة الثقافية، مؤكّدا على دور الندوات الثقافية في تعميق الوعي بالأهداف الوطنية والديمقراطية ليس في غزة أو فلسطين فحسب، بل في كل أرجاء الوطن العربي للإسهام في مجابهة وتغيير واقع الانحطاط والخضوع والتخلّف والاستبداد العربي في هذه المرحلة.
كما وجّه الصوراني التحيّة للإنسان والقائد الوطني الديمقراطي التقدمي د. حيدر عبد الشافي في مناسبة الذكرى 12 لرحيله، مُؤكدًا على الالتزام والوفاء بالمبادئ والمفاهيم والمواقف المبدئية السياسية والأخلاقية التي عاش ومات مناضلاً من أجلها.
وشدّد الصوراني على أن “السياسة إذا أدّت إلى خدمة أهداف ومصالح الشعب وفق أسس وطنية وديمقراطية فإنّها تكون أخلاقية. وإذا ما أدّت إلى إضعاف وتفكيك الشعب والمجتمع والنظام وتحقيق مصلحة الفئة الحاكمة وحدها بقوة الإكراه والاستبداد وتركت الشعب وحيدًا في مواجهة الانقسام وكل أشكال المعاناة والبؤس والتهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإنها تتحوّل إلى سياسة منحطة لا أخلاقية”.
وقال الصوراني خلال حديثه عن الكتاب “نحن اليوم أمام منعطف التغيير، أمام منعطف تأسيس بناء أخلاقي ديمقراطي علماني لمجتمعاتنا، فإذا أردنا أن نبني مجتمعًا ديمقراطيًا قويًا متماسكًا،علينا أن نناضل لكي نجعل على رأسه سلطة تلتزم بالأخلاق والقيم، تجعل الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة عنوانها، فلا خيار لشعبنا وشعوبنا سوى خيار الحرية والديمقراطية، وبدون ذلك ستستمر مظاهر البربريه والتخلف والاستبداد في بلادنا بصور أكثر بشاعة وانحطاطاً مما هي عليه اليوم”.
وأضاف “فالمجتمع الذي تتبنى سلطته الاستبداد طريقًا لا يشعر أفرادها بحياتهم وبكرامتهم وحريتهم، يصبح جُل اهتمامهم المأكل والمشرب كما هو حالنا في قطاع غزة اليوم، خاصة وأن المفاهيم الأخلاقية السيئة التي ترعرعت في مجتمعنا خلال سنوات الانقسام، وأبرزها، الاتكالية أو اللامبالاة، غياب الشعور بالذنب عند هدر المال العام، الرشوة والمحسوبيات، الميل إلى الاحباط أو الاستسلام، النفاق بكل صوره الاجتماعية والسياسية، الخضوع، ومظاهر البذخ غير المبررة أو المشروعة أو سيادة منطق العشيرة أو الحمولة، وتراكم الخوف في صدور الناس، وانتشار الجريمة بكل أنواعها، لدرجة أن الفرد في بلادنا أصبح همه الانخراط في الحياة الاجتماعية لتأمين مصلحته العائلية الخاصة والمحافظة على سلامته انسجامًا مع القول العربي المأثور “امش الحيط الحيط”.
وأكَّد إن “النتيجة الحتمية لهذا المسار الاجتماعي الفلسطيني في هذه المرحلة، تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام وروح المكر محل روح الشجاعة وروح التراجع محل روح المبادرة وروح الاستسلام محل روح النضال التحرري والديمقراطي، وتبعًا لذلك فان “القوي المسيطر لا يواجهونه مواجهة مباشرة، بل يستعينون بالله عليه، كما في القول “اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وادعي عليها بالكسر” ففي حالة الاحباط والانحطاط تصبح مقاومة الظلم لا فائدة منها كما في القول المأثور “العين ما بتقاوم المخرز” أو المخرز حامي والكف طري”، فقط المواجهة تكون مع الأضعف، وحين تسود هذه الخصائص أو السلوكيات، فان القوي يأكل الضعيف بغير حق في معظم الأحوال”.
وتابع “في ضوء ذلك في ضوء ذلك فلن يكون من المستغرب أن تحتل قيم الانحطاط والفساد والواقعية المستسلمة والتكالب على الثروة غير المشروعة قمة هرم القيم، في حين تأتي قيم النضال التحرري والديمقراطية والتكافل والدافعية الوطنية في أسفل سلم القيم، وهي أوضاع غير مستغربة مع تزايد أعداد أصحاب الملايين من تجار السوق السوداء والمهربين، وتجار العقارات والكومبرادور والمضاربين إلى أكثر من 600 مليونير في قطاع غزة، وأكثر من هذا العدد في الضفة الغربية، وهذه ظاهرة –مفارقة- تستدعي المزيد من التحليل ارتباطًا بحالة الهبوط والتردي السياسي والمجتمعي السائدة اليوم في أوساط الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات”.
وحول الوحدة الوطنية، أردف الصوراني “آمل أن تتحقق التجربة الديمقراطية عندنا خلال الأشهر القادمة لكي تكون مهدًا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التعددية تحت مظلة م.ت.ف ومواصلة النضال التحرري والديمقراطي في ظروف بات منها شعبنا الفلسطيني على قناعة بضرورة تحديث وتنشيط الحياة السياسية الفلسطينية وتوفير الفرص للشباب الوطنيين المستقلين عبر أحزاب جديدة إلى جانب الفصائل والقوى السياسية الأخرى وتعزيز التعدد السياسي”.
وختم الصوراني حديثه بالقول “في ذكراه الثانية عشر، لم يرحل حيدر عبد الشافي من مدينة الامام الشافعي إلا ليرقد رقدته الأخيرة في مدينته الحزينة، غزة، التي كثيرًا ما اتشحت بالسواد والدم بنتيجة الظلم والاستبداد، ومازال صوت الحصار والانقسام والأصوات النشاز النقيضه لاستعادة الوحدة الوطنية واستعادة شعبنا لحقوقه الأصلية في الديمقراطية طاغيًا على صوت الديمقراطية التي آمن بها القائد الراحل د. حيدر”.