صبرا وشاتيلا.. 72 ساعة من القتل

راديو موال – بعد يومين من اغتيال قائد ميلشيا القوات اللبنانية، بشير الجميّل، وفي مثل هذا اليوم، من العام 1982، حوصر مخيمي صبرا وشاتيلا، من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بمساعدة القوى الانعزالية العميلة الممثلة بحزب الكتائب وجيش لبنان الجنوبي، بحجة فرض الهدوء في المخيات الفلسطينيية.

استنفار جيش الاحتلال وعملاؤه حول مخيمي صبرا وشاتيلا، جاء بسبب اغتيال الجميّل، عميلهم الأهم في لبنان، الذي تعاون معهم في عملية احتلال لبنان، فاجتمع الجميّل قبل الغزو بأرئيل شارون، ووضعا الخطط سوياً لعملية الاجتياح وأهادفها، وأهمها إخراج الفلسطينيين من لبنان، وتنصيبه رئيساً. وفي 1 أيلول/سبتمبر، 1982، قبل اغتياله بأسبوعين، وبعد انتخابه كرئيس بأسبوع، قابل الجميل رئيس وزراء الاحتلال، مناحيم بيغن، في نهاريا بالداخل المحتل. أثناء الاجتماع، شكر بشير الإسرائيليين على دعمهم للقوات اللبنانية ووعدهم بتوقيع معاهدة سلام معهم فور تسلمه لمنصبه كرئيس، ولكن تم اغتياله قبل تسّلم المنصب.

فإبادة المخيمين، لم تأتِ كرد فعل على اغتيال الجميّل، إنما تلاقى حقد اليمين الانعزالي مع حقد جيش الاحتلال، ضد الفلسطينيين وإبادتهم، وهو ما عبّر عنه الجميّل في لقائه قبل الاجتياح مع ممثل المنظمة، هاني الحسن، عندما أخبره بأن إسرائيل ستغزو لبنان من أجل أن تبيدهم وطالبه أن يتركوا لبنان ويغادروا قبل فوات الأوان.

مما يدل على أن النوايا كانت مبيتة لإبادة الفلسطينيين، دون الحاجة لاغتيال الجميّل، الذي اتهم باغتياله الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو فصيل من اليسار القومي المقاوم، لا ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

فالمجزرة وقعت برغم تنفيذ أجندات الاحتلال، بالقوة الغاشمة وعبر الوسطاء الدوليين وأمميين، أفضت إلى خروج المنظمة ورئيسها من لبنان في 30 أغسطس 1982، بعد 80 يوماً من الصمود في بيروت، وتُركت المخيمات الفلسطينية تواجه مصيرها من دون سلاح.

وبعد اغتيال الجميل، يوم الأربعاء 15 أيلول سبتمبر، وحصار صبرا وشاتيلا، بدأت المذبحة في الساعة الخامسة من مساء يوم الخميس، بتنسيق بين جيش الاحتلال وميليشيا الكتائب، بدأت العملية بقصف إسرائيلي بالمدفعية الثقيلة والقناصة طوال نهار الخميس، الأمر الذي أدى لإخلاء كافة الشوارع من المارة، وحوصر اللاجئين في بيوتهم.

واعتقد سكان المخيمين، أن القصف طوال النهار، هو محصلة العدوان، الذي اعتادوا عليه طوال فترة حصار بيروت، دون أن يعلموا ماذا تخبىء لهم الساعات القريبة القادمة. ومع حلول المساء، انسحبت قلة من المدافعين عن المخيم بأسلحتهم الخفيفة، تحضيراً للاشتباك مع الاحتلال في صباح اليوم التالي.

ولكن الجيش الإسرائيلي في المساء، استبدل القنابل المدفعية، بقنابل ضوئية أنارت المخيم، لتأخذ الميلشيات دور البطولة، واجتاحت أحياء صبرا أفواج من الميلشيات العميلة، وقامت بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ في سن الثالثة والرابعة وجدوا غرقى في دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم إغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، 72 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بالقنابل المضيئة.

بينما أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاق كل مداخل مخيم صبرا فلم يُسمح للصحفيين ولوكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، عدد القتلى في المذبحة لا يعرف بوضوح، وتتراوح التقديرات حوالى 3000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح.

وذات مساء يوم الخميس، اجتاح 1500 عنصر مسلح من الميلشيات، مخيم شاتيلا، وبدأوا باقتحام البيوت، فسمع أولاً صوت صراخ المدنيين، ولكن بعدها سمع صوت البكاء وعويل النساء.

شهادات العيان، أفادت أن قسماً من المسلحين، بدأوا بضرب كبار السن والأطفال وتقييدهم، ومن ثم قاموا بقتل الشبّان من الذكور، بينما قام القسم الآخر بالتفتيش عن النساء، وترافق معها أصوات صراخ وحالات اغتصاب جماعية. شهادات عيان أفادت بأن العملاء أصيبوا بهستيريا القتل والتمثيل بالجثث وبقر بطون النساء الحوامل.

وفيما المجزرة تتسع داخل صبرا وشاتيلا، كنت مدفعية الاحتلال تغطي على نشطاء العملاء، وتقصف مناطق مركزّة داخل المخيم، فيما أن القنابل المضيئة حولت ليل المخيمات إلى نهار. أما المدنيين العزّل الذين اختبأوا في الملاجىء فكان مصيرهم القتل الجماعي.

ومع بزوغ فجر يوم الجمعة 17 سبتمبر، بدأت آثار الجريمة بالتكشف، إذ انتشرت الجثث في الشوارع والبيوت. ووصلت تعزيزات إضافية من ميلشيا الكتائب إلى المخيم، وكان هدفهم اقتحام الملاجىء، فضربوها بالقنابل، وقضى من كانوا فيها حرقاً، ومن حاول الهرب، كان العملاء بانتظاره في الخارج لقتله بدم بارد.

ويوم السبت، اليوم الثالث على المجزرة، انسحب العملاء من المخيم، وشوهدوا وهم يرحلون بجرافات، قاموا باستخدامها ليلاً لدفن الجثث في مقابر جماعية.

وبعد دخول وكالات الأنباء العالمية، كان مشهد الصحفي الفرنسي وهو يبكي وصوته يرتجف، شاهداً أولياً على ما حدث، بعدما شاهد ما خلّفه جيش الاحتلال وعملائه.