راديو موال_تمر اليوم الذكرى السادسة لصديق فلسطين والمستضعفين في الأرض، الزعيم الأممي هوغو تشافيز رئيس فنزويلا، الذي أسس وبدأ مرحلة سياسية فريدة من عمر أميركا اللاتينية، أعادت إلى القارة مدها اليساري ودعمها للقضية الفلسطينية وللقضايا العادلة في العالم.
ومثّل تشافيز حالة فريدة ونادرة أخذت بالتمدد في أرجاء القارة اللاتينية، الأمر الذي أزعج الأمريكيين وحلفائهم، مما عرض بلاده وبلاد أخرى في أمريكا اللاتينية مثل كوبا لعقوبات وحصار امتدت أثرها وتضاعف وصولاً لخليفته نيكولاس مادورو الرئيس الحالي المنتخب لجمهورية فنزويلا، في محاولة للانقلاب عليه من قبل رئيس المعارضة خوان جوايدو بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها.
حظي الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز بشعبية في العالم العربي، فمناصرة الرجل العديد من القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية جعلت الشارع العربي يلقبه بـ”شافيز العربي”.
وكان يحلو لشافيز تشبيه نفسه بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كانت خطاباته ومساعيه للوحدة العربية ومواقفه من الولايات المتحدة والغرب ودولة الاحتلال تشعل حماس الشعوب العربية آنذاك.
في عام 2006 وحينما كانت العديد من الحكومات في العالم العربي متخبطة في رد فعلها إزاء عدوان الاحتلال على لبنان، قرر شافيز سحب سفير بلاده من من دولة الاحتلال ردا على عدوانها، وأعلن خفض مستوى التمثيل مع الاحتلال إلى حده الأدنى قائلا إنه “لا فائدة من التعامل مع إسرائيل”.
وفي يناير/كانون الثاني 2009 أقدم شافيز على فعل ما لم تفعله دول عربية تربطها علاقات دبلوماسية بدولة الاحتلال، فقام بطرد السفير الإسرائيلي لدى فنزويلا وجميع العاملين في السفارة ردا على العدوان الإسرائيلي على غزة، واعتبر أن ما تقوم به دولة الاحتلال في غزة “إرهاب دولة” وجريمة ضد الإنسانية، كما وصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه “جبان”.
وفي العام نفسه اعترفت فنزويلا رسميا بفلسطين دولة مستقلة وذات سيادة، ودشنت أول سفارة فلسطينية في كراكاس، وكثيرا ما أعلن الرئيس الفنزويلي الراحل تأييده ودعمه مساعي فلسطين للانضمام للأمم المتحدة وأن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وكشف عن نية بلاده فتح سفارة لها في فلسطين ورفع درجة التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء.
وخلال زيارة الرئيس محمود عباس إلى فنزويلا في 2009 طالب شافيز بتدريس القضية الفلسطينية في المدارس والجامعات بدول أميركا اللاتينية، معتبرا أنه من المهم للأجيال الصاعدة أن تتعلم من تاريخ هذه القضية، كما أمر وزير التربية والتعليم الفنزويلي أن يوزع خرائط للأراضي الفلسطينية، على المدارس تُظهر ضيق المساحة التي يعيش فيها مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة الذي تحاصره دولة الاحتلال.
هوغو تشافيز رئيس فنزويلا الواحد بعد الستين. صار رئيساً للبلاد في 2 فبراير عام 1999. عرف بحكومته ذات السلطة الديمقراطية الاشتراكية واشتهر لمناداته بتكامل أمريكا اللاتينية السياسي والاقتصادي مع معاداته للإمبريالية وانتقاده الحاد لأنصار العولمة من الليبراليين الحديثين وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. قاد فنزويلا متحدياً السياسة الأميركية، حيث طبع مرحلة سياسية فريدة من عمر أمريكا اللاتينية، أعادت إلى القارة مدها اليساري وتعاطفها مع قضايا المستضعفين في العالم أجمع.
وتشهد ربما الشخصيات المتربعة على رئاسة العديد من الدول في القارة على أن الحالة التشافيزية، التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتواءها، باتت ظاهرة عصيّة على التدجين. ويقول متابعون إنه كتب وقرأ كثيرا إلا أنه أحب أكثر أن يتحدث، وقد كان تشافيز كان يحب مخاطبه شعبه على الدوام، ويخاطبهم بمعدل 40 ساعة أسبوعيا، ولم يعقد الرئيس الراحل أي اجتماعات روتينية، إلا أنه كان يدعوهم إلى اجتماعات أسبوعية تذاع إما على التلفاز أو الإذاعة. وكان صاحب القميص الأحمر الشهير، الذي وُلِد في 28 يوليو عام 1954 في الكوخ الطيني لجدته روزا إنيز تشافيز في قرية سابانيتا الفقيرة المعدَمة، وفيّاً للفقراء الذين عايشهم في أفقر أحياء بلد يعوم على النفط. فمنذ تسلّمه السلطة بعد انتخابات ديمقراطية في عام 1998، عكف تشافيز على تشكيل دستور جديد للبلاد يستوحي أفكار سيمون بوليفار (1783 – 1830)، محرر معظم دول أمريكا اللاتينية من الاحتلال الإسباني.
كان تشافيز صاحب سجل عسكري متميز مع الجيش الفنزويلي. وقام تشافيز بمحاولة انقلاب في 4 فبراير 1992 ضد الرئيس الفنزويلي كارلوس أندريه بيريز وتوجهاتها الليبرالية الحديثة ، فنجح أولا في السيطرة على جميع البلاد، عدا العاصمة كراكاس، إلا أنه قبض عليه وأدخل السجن، وبعد سنتين تمت تنحية الرئيس أندريه بيريز وتولى رافائيل كالديرا السلطة مكانه فخرج تشافيز من السجن وأسس بعض أصدقائه الضباط حركة سرية أطلقوا عليها اسم سيمون بوليفار تيمنا باسم الزعيم الأمريكي الجنوبي الذي كان من أبرز مقاومي الاستعمار الإسباني في القرن التاسع عشر.
أطلق سراحه عام 1994، أسس حركة الجمهورية الخامسة التي تعرف اختصارا ب MVR (Movimiento Quinta República) وهي حركة يسارية تعلن أنها الناطق السياسي باسم فقراء فنزويلا. اختير تشافيز كرئيس للبلاد في انتخابات عام 1998 بسبب الوعود التي أطلقها لدعم فقراء البلاد الذين يشكلون الأكثرية من السكان، كما أعيد انتخابه عام 2006، شن تشافيز حملات عدة في فنزويلا ضد الأمراض والأمية وسوء التغذية والفقر وأمراض اجتماعية أخرى.
ولد تشافيز لعائله متوسطة في بيت جدته من أبيه روزا إنيز تشافيز. وواصل تعليمه في الأكاديمية العسكرية بفنزويلا وهوابن 18 عاما قبل أن يلتحق بجامعة سيمون بوليفار في كاراكاس وتزوج من ميرازابيل دو شافيز وله خمسة أولاد.
وفي عام 1997 أسس تشافيز حزبا باسم حركة الجمهورية الخامسة وحظى بمسانده اليساريين والطبقات الفقيرة . وأعلن عن برنامج يركز على مقاومة الفقر والرشوة فحصل على نسبة 56% في انتخابات ديسمبر 1998، وبفوز تشافيز في الانتخابات، أعلن أن فترة 1958-1998 هي فترة الثورة الرابعة وأعلن 1999 هو بدء الثورة الخامسة، ثورة بوليفار، نتيجة استلهام معظم أفكاره الإصلاحية من أفكار بوليفار، وقد تضمن هذا البرنامج العديد من الإصلاحات الهامة، كان من أهمها تغيير اسم الدولة وسن قانون جديد لزيادة فترة الرئاسة إلى 6 سنوات، مع امكانية إجراء انتخابات فورية، يتم فيها الاتصال مباشرة بين الرئيس والشعب.
تسلم تشافيز السلطة لأول مرة عام 1998 عندما كان 50% من المواطنين في بلاده تحت خط الفقر، بينما كانت هذه البلاد من أغنى الدول النفطية والتى يقدر دخلها ب850 مليون دولار في الشهر، واستطاع أن يحقق نقله اجتماعية ضخمة من خلال التركيز على رفع مستوى المعيشة للمواطنين من خلال تأميم النفط وإعادة توزيع عائداته على المواطنين، ورفع شعارالقضاء على بيوت الصفيح، التي كانت منتشرة في فنزويلا بسبب الحالة الاقتصادية المتردية، وتبنى مشروع إنشاء 200 ألف مسكن اقتصادي توزع مجانا على المحتاجين.
تمتلك فنزويلا أعلى نصيب للفرد من الناتج القومي الإجمالي في أمريكا اللاتينية، ويرى أغلب الشعب أن هذا التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروه وما يعيشه الشعب من فقرهو نتيجة للطبقة السياسية الفاسدة وتابعيها من رجال الاعمال الذين سرقوا ثروات الدولة، تسلم مقاليد بلد ودولة ناقصي التسيس بشكل عميق، ومصابين بالفساد المالي والإداري على نحو خطير.
جرى انتخاب تشافيز على قاعدة رفض هذا النظام القديم أكثر مما انتخب بناء على مشروع سياسي صلب تحمله قوى اجتماعية منظمة قد تكون سندا له على رغم وجود جماهير عريضة مناصرة له. وظهر منذ الوهلة الأولى، أنه ليس في فنزويلا ثورة اشتراكية يقودها هوجو تشافيز، ولكن كان هناك تغييرا جذريا للعقلية السياسية وتنظيمها والوعي الجماهيري، وأن السلطة للشعب، وأن الثورة مستمرة.
وتوفي هوغو تشافيز في الخامس من مارس عام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.