بيت لحم: ادوية بسعر الفجل مجهولة المنشأ ومنتهية الفعالية !

راديو موال –  “القدس” دوت كوم – سُجِّل في العديد من الصيدليات بمحافظة بيت لحم في الآونة الاخيرة تناقض واضح ومضاربة علنية بأسعار الادوية، الأمر الذي دفع العديد من الصيادلة في بيت لحم إلى تنظيم وقفة أمام مديرية صحة بيت لحم احتجاجا على انتشار ظاهرة بيع الادوية باقل من السعر المحدد.

لكن الاخطر من ذلك، وجود صيدليات تبيع ادوية باسعار مغرية بسعر الفجل، مجهولة المنشأ وتثير شكوكا ازاء فعاليتها العلاجية والدوائية وعدم مطابقتها لشروط السلامة العامة الخاصة بنقل وحفظ الادوية، ناهيك عن وجود ادوية منتهية الصلاحية.

يوجد في محافظة بيت لحم نحو 70 صيدلية موزعة بين المدن والمخيمات والقرى، إذ يوجد 25 صيدلية في مدينة بيت لحم ، و6 في بيت ساحور و5 في بيت جالا ، و5 في الدوحة اضافة إلى الصيدليات الموجودة بالقرى المجاورة.

وخلال تنقل “القدس” دوت كوم بين صيدليتين في محافظة بيت لحم، تم رصد تناقض في اسعار بعض الادوية وخصوصا الادوية التي لها علاقة بالأمراض المزمنة وهذه بعض الامثلة على ذلك: دواء (galvus 50 mg) وهو دواء معدة سعره المحدد (114 شيكل) لكنه يباع بـ (100 شيكل)، ودواء (Janvet 50/1000) دواء سكري سعره المحدد (199 شيكل) ويباع بـ (160 شيكل)، ودواء (lantus pen) سعدره المحدد (293 شيكل) ويباع بـ ( شيكل 100)، ودواء (Levemir pen) وهو دواء لمرضى السكري سعره المحدد (320 شيكل) ويباع بـ (250 شيكل)، ودواء (Eucrease 50/1000, 50/850) وهو دواء لمرضى السكري سعره المحدد بـ (205 شيكل) ويباع بـ (160 شيكل).

تحدثت “القدس” دوت كوم مع الكثير من الصيادلة العاملين في صيدليات بيت لحم، فأكدوا ان عمليات المضاربة والتلاعب بالأسعار تشمل مختلف الادوية التي تباع في الصيدليات، وتتراوح نسبة التفاوت في الاسعار من صيدلية إلى أخرى ما بين 5% إلى أكثر من 30%.

وفي هذا الاطار قال مدير عام شبكة جراند فارم الصيدلاني شادي ناصر الدين: إن جميع هذه الادوية التي تباع في الصيدليات تكون مسعرة مسبقا، لكن المشكلة في بعض الصيادلة الذين يحاولون بيع الدواء حسب السعر الذي يراه مناسبا لهم، بهدف جذب المواطنين والمرضى وتحقيق مكاسب مالية، وهذا من شأنه خلق خلل في عمل مهنة الصيدلة، ويجعل من الصعب على المواطن التفريق من جودة وفعالية الدواء”.

يشرف الصيدلاني ناصر الدين على نحو 12 صيدلية موزعة على مختلف محافظات ومدن الضفة الغربية ومن بينها واحدة في مدينة بيت لحم.

وبين ناصر الدين أن عمليات مضاربة تحدث بين الصيدليات تشمل مختلف الادوية وتحدث في جميع المحافظات لكن بشكل اكثر في محافظة بيت لحم، حتى ان كثيرا من المواطنين اصبحوا يفاصلون في الاسعار بسبب عمليات المضاربة للحصول على اقل الاسعار.

وفي موازاة ذلك، عرض عدد من الصيادلة على “القدس” دوت كوم، شهادات حية لبعض المرضى الذين كانوا يشترون الدواء من صيدلية معينة بالسعر المحدد وعليه ملصق نقابة الصيادلة والوكيل الموزع، لكن حين قاموا بشراء نفس الدواء من صيدلية اخرى بسعر اقل كانت نتيجة فعالية الدواء العلاجية اقل من فعالية الدواء الذي كان يشتريه بسعره الاصلي.

تواصلنا مع احد هؤلاء المرضى وهي مواطنة (56 عاما) من مدينة بيت لحم، وتعاني من مرض السكري وتتلقى جرعات منتظمة من “الأنسولين”.

تقول المواطنة التي فضلت عن ذكر اسمها، إنها كانت تحصل على جرعة الانسولين من المستشفى او تقوم بشرائه من الصيدليات، لكنها سمعت من بعض المرضى بوجود صيدلية تبيع جرعة الانسولين بسعر اقل من السعر المحدد وبالفعل قمت بشرائها من الصيدلية باقل من السعر العادي.

وتضيف،”عندما بدأت بأخذ هذه الجرعات لم يحصل اي هبوط بنسبة السكري بل على العكس ازدادت حالتي الصحية سوءا، وقمت بمراجعة طبيبي الخاص الذي اكد لي بعد فحص الجرعات انها غير مطابقة للمواصفات الطبية وغير مسعرة ولا يوجد عليها اي ختم من نقابة الصيادلة او ختم الوكيل الموزع”.

وبعد ذلك، اضطرت المواطنة الى اجراء عملية جراحية بعد تدهور وضعها الصحي نتيجة تلقيها جرعات انسولين فاقدة للفعالية العلاجية، قدرت تكلفة العملية الجراحية بـ (7 الاف شيكل).

النقابة: 70 قرارا تأديبيا ضد الصيدليات

وفي هذا الجانب قال نقيب الصيادلة ايمن خماش في حديث خاص مع “القدس”دوت كوم، “بالفعل تم تسجيل بعض الحالات المرضية التي قامت بشراء ادوية بأسعار اقل من السعر المحدد لكن هذه الادوية لم تكن بالفعالية العلاجية مثل الادوية التي تباع حسب الاصول وتحمل ملصقي نقابة الصيادلة والوكيل الموزع والسعر.

واوضح خماش “بعض الصيادلة يحصلون على ادوية بطرق غير شرعية وغير صحية، ومشكوك في مصدرها وطريقة تخزينها وفعاليتها العلاجية ناهيك عن تلاعب في سعرها الحقيقي بهدف تحقيق ارباح مالية على حساب صحة المريض وهذا مخالف للقانون والانظمة”.

وتابع “يوجد تجاوزات في بعض الصيدليات الموجودة بمختلف المحافظات ومن ضمنها محافظة بيت لحم، لكن الاخيرة حدثت فيها احتجاجات من الصيادلة تطالب بالالتزام بالسعر المحدد للأدوية وعدم التلاعب بها، لكن بعد الزيارات الميدانية لصيدليات في بيت لحم تبين أن وجود بعض الصيادلة الذين طالبوا بالالتزام بالأسعار المحددة هم انفسهم لم يلتزموا”.

وحسب قانون الصيادلة فإنه عند بيع أي دواء في الصيدليات يجب ان يكون عليه ملصقات تشمل شعار نقابة الصيادلة والوكيل الموزع والسعر، ومن واجب الصيدلي حسب القانون الالتزام بالسعر المحدد.

وخلال السنتين الماضيتين اتخذ المجلس النقابي التأديبي التابع لنقابة الصيادلة، قرارات بمخالفة نحو 70 صيدلية في جميع المحافظات، وتراوحت هذه الاجراءات ما بين التنبيه والغرامات المالية واغلاق صيدليات وسحب رخصة مزاولة المهنة.

واكد خماش أن تلاعب بعض الصيادلة بالتسعيرة الدوائية مخالف للقانون، وأن الصيدليات التي تتلاعب بالأسعار تقوم بجلب الدواء من مصادر غير شرعية وغير رسمية، وهذه الادوية يكون مشكوك في طريقة تخزينها وفعاليتها العلاجية.

وتابع، “بعض الصيادلة يحصلون على الدواء من خلال صيدليات الجمعيات الخاصة التي تحصل بدورها على الدواء بأسعار مخفضة جدا ضمن عطاءات او تبرعات، وهنا يتم تهريب جزء منها الى الصيدليات العامة وهذا يوضح طبيعة السعر بين صيدلية ملتزمة بالقوانين واخرى غير ملتزمة”.

واشار خماش إلى أن النقابة بدأت بالتنسيق مع وزارة الصحة بتمييز الادوية الموجودة في الصيدليات عن الادوية المباعة للجمعيات والمستشفيات الخاصة، لمنع تهريب أي نوع دواء الى الصيدليات العامة ووقف عمليات المضاربة والتلاعب في اسعار الادوية.

وبالفعل تم تمييز الادوية المباعة للجمعيات والمستشفيات بوضع لاصق مكتوب عليها: “مباع لصالح الجمعيات الخيرية”، ويجب ان لا يحمل شعار نقابة الصيادلة او السعر ومن المفترض ان يتم توزيع الادوية مجانا على فئة معينة من المرضى المسجلين لديها.

يرتكز دور لجنة مزاولة المهنة في نقابة الصيادلة على القيام بجولات ميدانية على الصيدليات للتأكد من 3 امور رئيسية وهي سعر الدواء ومصدره وتاريخ انتهائه.

الصحة أغلقت 15 صيدلية

أما بالنسبة لدور وزارة الصحة في مراقبة الادوية والصيدليات، فقد قالت مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة رانيا شاهين، “نحن في وزارة الصحة لدينا دائرة الرقابة الدوائية ويرتكز عملها على مراقبة العمل داخل الصيدليات من خلال صيادلة ميدانيين موجودين داخل كل مديرية صحة في مختلف المحافظات يفتشون ويراقبون عمل المؤسسات الصيدلانية”.

وأضافت لـ”القدس” دوت كوم، “لا يقتصر عملهم فقط على مراقبة الاسعار ووجود لاصق نقابة الصيادلة الذي يحمل اسم المصدر وسعر الدواء، بل يمتد إلى التحقق من شروط السلامة العامة الخاصة بالصيدليات مثل الترخيص والعاملين في الصيدلية ومؤهلهم العلمي، وطريقة تخزين الادوية الآمنة ودرجات الحرارة وتاريخ انتاج وصلاحية الادوية، وغيرها من شروط السلامة العامة”.

وأكدت شاهين أن وزارة الصحة تضع اسعارا محددة ومضبوطة ومسجلة للأدوية التي يتم بيعها في الصيدليات، كل دواء له سعر معين، واي دواء لا يوجد عليه تسعيرة تتم مصادرته لأنه لم يصل الى الصيدلية بالطريقة القانونية والصحيحة .

واشارت شاهين الى ان المضاربة بأسعار الادوية ممنوعة ومخالفة لقانون الصيادلة، مضيفة: انه خلال عام 2015 تم تنفيذ 208 حالة ضبط ومصادرة لادوية من مختلف المؤسسات الصيدلانية، وفي عام 2016 وحتى تاريخ (18/10) نفذت الصحة نحو 128 حالة ضبط ومصادر للادوية لمخالفتها للقوانين والانظمة وعدم مطابقتها للمواصفات.

“كما اصدرت وزارة الصحة ومجلس التأديب خلال عامي 2015 و2016، نحو 15 قرارا باغلاق لصيدليات لفترات تتراوح مابين اسبوعين الى عام”.

وأضافت، “منذ بداية العام خفضنا اسعار نحو الفي صنف من الادوية ما بين ادوية مستورد ومحلي، كل هذا يعتبر انجازا حققته وزارة الصحة، والاسعار موجودة على الموقع الالكتروني التابع للوزارة ويمكن لجميع المواطنين التعرف على اسعار الادوية”.

وحذر الصيدلي ناصر الدين “من تطور الحالات الموجودة إلى متاجرة صيادلة ببعض الادوية المهربة غير معروفة المصدر، التي قد تشكل خطرا حقيقيا على صحة وسلامة المواطنين والمرضى”.

وبالعودة إلى الميدان وحتى كتابة هذا التحقيق مازالت بعض الصيدليات تبيع الادوية بأسعار مختلفة عن التسعيرة المحددة ولو بشكل علاني او خفي.