رفع البطريرك فؤاد الطوال الشكر إلى الله لمناسبة مرور خمسين سنة على رسامته الكهنوتية. وأعلن بقداس يوبيله الكهنوتي الذهبي عن قرب انتهاء خدمته كبطريرك للكنيسة اللاتينية في القدس الشريف.
وقال البطريرك من كنيسة القيامة: “أود أن أرفع الشكر إلى الرب على عطية الكهنوت التي استقبلتها قبل خمسين عاماً. ها إني أصل اليوم إلى نهاية الخدمة، ولعلي أقولها بتواضع، إن مهمتي شارفت على الانتهاء، وإذ أضع مستقبلي بين يدي الله، أرفع آيات الشكر على كل السنين التي أمضيتها في خدمة الآب الأقدس، والكنيسة الأم في أورشليم“.
وأضاف غبطته الذي وصل إلى السن القانوني (75) عاماً الذي يدعى فيه أساقفة الكنيسة اللاتينية إلى تقديم استقالتهم بين يدي الحبر الأعظم: “لا يسعني سوى رفع الشكر إلى كل الصداقات الحميمة التي حبكناها هنا في الأرض المقدسة، وفي أرجاء العالم كله. أود أيضاً أن أشكر نوابي، الكهنة، الرهبان والراهبات في العالم كله، الذين رافقوني على الدرب وساندوني في تأدية مهمتي”.
تابع: “أود أن أشكر كذلك كافة الرهبانيات المتواجدات هنا في الأرض المقدسة، واتحاد الراهبات التي وقفت إلى جانبنا ودعمونا من خلال الشهادات والصلوات والصداقات”. وطلب من القاصد الرسولي في القدس المطران جوزيبي لاتساروتو، الذي شارك في القداس، “بأن يبعث إلى الحبر الأعظم شعور الانتماء والحب البنوي، مع الشكر الخالص لرعايته الأبوية للأرض المقدسة والمسيحيين في الشرق الأوسط”. وقال: “لنتذكر دوماً أننا خدّام، ولنحافظ على القناعة أن حب الله أقوى من الشر، ولن نبقى وحيدين في أداء مهمتنا”.
ومن أمام القبر الفارغ في كنيسة القيامة رفع غبطته في ختام عظته الصلاة التالية: “أيها الرب إلهنا، ابقَ معنا لأن النهار مال، والظلمات تسيطر على العالم. وإذا بدا أن ظلمات الغروب تستولي عليه، فإن نور جسدك القائم من بين الأموات يبشّر بفجر يوم بدون نهاية”.
هذا وشارك في القداس الإلهي، الذي جاء أيضاً بالتزامن مع عيد جسد الرب، الأساقفة النواب البطريركيون في فلسطين والجليل والأردن، ولفيف من الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات من مختلف الجمعيات الدينية، وحشد غفير من المؤمنين والحجاج من مختلف أنحاء العالم. وفي بداية القداس ألقى المطران بولس ماركوتسو كلمة التهنئة إلى البطريرك بمناسبة اليوبيل، باسم البطريركية اللاتينية. وتلى القاصد الرسولي في القدس المطران جوزيف لاتزاروتو تحية قداسة البابا فرنسيس لغبطة البطريرك وقد نشرها موقع أبونا كاملة (هنا النص الكامل).
عظة عيد جسد الرب
وكان البطريرك الطوال قد استهل عظته بالربط بين عيد “جسد الرب” وقداس عشاء الرب، يوم خميس الأسرار. وقال: “في عصر يوم خميس الأسرار نعيش السر الذي يقدم لنا المسيح من خلال ذاته عند كسر الخبز وشرب الخمر. واليوم في عيد جسد الرب يدعونا هذا السر إلى السجود والتأمل. هذا السر المقدس، الذي يحتفل به في دورة احتفالية حول القبر المقدس، يُذكرنا أن المسيح القائم من بين الأموات يسير بيننا، معنا، ويقودنا نحو ملكوت السموات، حيث المسيح يغلب ويملك”.
وأضاف: “في قداس خميس الأسرار، استذكرنا كيف أن القربان الأقدس يحوّل عطايا هذه الأرض الخبز والخمر من أجل تبديل حياتنا. وها ان شبعنا كلنا من تناول جسد المسيح، نشكل حينئذ جسداً واحداً ونباشر بالتالي في تبديل مجتمعاتنا وعالمنا، الذي لا يتمكن من الوصول إلى السلام أو تحقيقه. إن تحويل شكلي الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح هو ثمرة العطاء الذي وهب المسيح لنا نفسه، عطاء حب هو أقوى من الموت، حب إلهي قادر أن يحول الجسد ويبعث الأموات أحياءً”.
ولفت بطريرك القدس للاتين إلى أن “عبارة ’تناول القربان‘ جميلة وبليغة، تُدخلنا في تواصل مع الرب والعباد حسب أقوال القديس بولس: ’كأس البركة التي نباركها، اما هي مشاركة في دم المسيح؟ والخبز الذي نكسره، أما هو مشاركة في جسد المسيح؟ فنحن على كثرتنا جسد واحد لأن هناك خبزاً واحداً، ونحن كلنا نشترك في هذا الخبز الواحد‘”.
وأضاف: “وفيما تمتص أجسادنا الغذاء الطبيعي الذي يساعد في نموها، بالمقابل، في حالة القربان الأقدس، انه الغذاء الذي يمتصنا: تناول القربان يجعل منا أعضاء الجسد السري، ويجعل منا أيضاً كنيسة. وهكذا فان القربان الأقدس، إذ هو يوحدنا مع المسيح، يفتح لنا الأبواب أمام الآخرين ويجعلنا أعضاء بعضنا مع بعض. إن تناول القربان الأقدس يوحدني مع الشخص الذي يتواجد بقربي، مع الشخص الذي أقابله في الطريق، مع إخوة بعيدين عني. واقتداء بمثل المسيح الذي أعطى ذاته للتناول، يطلب من الرب أن نبذل أنفسنا غذاء للجماعة: أعطوهم أنتم ليأكلوا”.
تابع: “أمام احتياجات الجموع الجائعة، هذا هو الحل الذي ارتآه التلاميذ: على كل واحد أن يفكر بذاته، إبعاد الجموع: كم خطر ببالنا نحن المسيحيين ان نبعد أولئك الذين يطرقون أبوابنا. إلا ان الحل الذي يقدمه يسوع يتجه بنحو آخر: ‘أعطوهم أنتم ليأكلوا‘. وحتى عندما لا يتوفر لدينا شيء لنقدمه، ونحن جائعون، نتقاسم لا أكثر من “خمسة أرغفة وسمكتين”، إلا ان طيبة قلوبنا وايماننا بالله، يستطيع عمل المعجزات. والله قادر أن يثمر نوايانا وأعمال إيماننا. ‘الكل شبع‘”.
وأضاف غبطته: “من عرف يسوع في القربان الأقدس، يعرفه أيضاً من خلال أخيه المتألم، الجائع، العطشان، سواء كان غريباً، عرياناً، مريضاً، سجيناً، أو محكوم عليه بالعيش في مخيمات اللاجئين. تناول القربان الأقدس اثناء القداس الإلهي يعني التواصل مع كل من غاب، أو لا يرى، مع جميع القديسين في السماء المتحدين بجسد المسيح الواحد”.
وقال: “إن الاحتفال بعيد جسد الرب يدعونا أن نتأمل في مسؤوليتنا في بناء مجتمع متضامن قويم وأخوي. وكما فعل التلاميذ، نحن تحت تجربة إبعاد الجموع. وفي هذا العصر بالذات، حيث تجعلنا العولمة أكثر التصاقاً ببعضنا البعض، في وقت تتعرض فيه الكنيسة الى اعتداءات واضطهادات من قِبل التطرف الديني، فإن على جسد الرب أن يجعل منا جسداً واحداً، كنيسة واحدة، قوية بايماننا بالله وبتضامننا مع بعضنا البعض”.
وأضاف: “يعمل الإنجيل منذ أقدم الأزمان إلى جمع وتوحيد العائلة البشرية الممزقة، في وحدة غير مفروضة من الخارج من خلال مصالح اقتصادية واجتماعية. إنما ناشئة عن النية الطيبة والشعور بالمسؤولية تجاه بعضنا البعض. إذ نعتبر أنفسنا أعضاء في جسد واحد. تعلمنا ولا زلنا نتعلم أن المشاركة والمحبة والرحمة هي الطريق نحو العدالة الحقيقية. ولمجابهة الوضع الذي يغوص فيه شرقنا الأوسط، علينا إتباع الطريق التي بدأها المسيح نفسه: الصراحة، الأمانة، الشجاعة، التواضع، الرحمة والتسامح المتبادل. إن مهمتنا في الأرض المقدسة تمر من خلال منطق حبة القمح التي تموت لتعطي الحياة”.
وخلص البطريرك إلى القول: “إن مهمتنا يجب أن تغذي بمنطق الإيمان الذي يزحزح الجبال بقوة الإله. وهكذا يريد الله أن يجدد البشرية، التاريخ والعالم من خلال هذه السلسلة من التحولات والقربان الأقدس يبقى هو السر. وكما قلتها في عدة مناسبات، لكنيسة القدس بُعدان لا يمكن فصلهما: إنها كنيسة الجلجلة وكنيسة القيامة. إن الدرجات التي تقود إلى الجلجلة حادة وصعبة، غلا أن كل درجة هي خطوة إلى الأمام نحو الرجاء وفرح القيامة. لنتقدم بثبات سوياً وفي هذه المسيرة المسيح بنفسه يكون بانتظارنا وباستقبالنا”.
المصدر:موقع “أبونا”