راديو موال : وكالات -أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” عن إلغاء زيارته إلى تركيا التي كان من المقرر القيام بها اليوم، وذلك على خلفية إسقاط مقاتلة روسية من قبل سلاح الجو التركي، تحرك يدل على أن التوتر السياسي بلغ أشده بين البلدين، وعلى ما يبدو أن الطرف التركي ارتكب الكثير من الحماقات بإسقاطه الطائرة الروسية التي ستضر بتركيا بشكل مباشر.
الحماقة الأولى
مشكلة تركيا أنها دولة تدّعي أنها دولة ذات توجه إسلامي، وفي نفس الوقت تحتمي بحلف الأطلسي الذي يجاهر بدعمه للصهيونية، فالناتو لم يحرك ساكنا عندما تعرضت سفينة مرمرة التركية لاعتداء من قبل الكيان الصهيوني على الرغم من أن تركيا عضو فيه، ففي حال نشبت حرب بين تركيا وبين روسيا ستترك لقمة سائغة لروس ولن يحميها الناتو إلا إذا اقتضت مصلحته هذا، فعلى كل الأحوال أن يفكك جيش تركي قوي يجاور الكيان الصهيوني فكرة لا يرفضها الناتو من حيث المبدأ.
تركيا لا تلقى قبولاً من أعضاء حلف الناتو الذي يشكل المكون الأوروبي غالبيته، ويبدو ذلك جلياً في التهميش الأوروبي لتركيا بمسألة انضمامها للاتحاد الأوروبي، فانتقاداته المتكررة للحكومة التركية بشأن المسار الديمقراطي فيها، يعكس أن هذه الدول لا تنظر إلى تركيا بوصفها دولة أوروبية، باعتبار أن الجزء الأكبر من مساحتها يقع في القارة الآسيوية، كما أن عدد سكانها سيجعل منها ثاني دول الاتحاد الكبرى حال قبول عضويتها، فضلاً عن توقعات بأن تتجاوز ألمانيا خلال سنوات قليلة، الأمر الذي سيعطيها -وهي البلد المسلم- أغلبية في البرلمان الأوروبي، ويجعلها دولة مؤثرة في توجيه وتحديد سياسات الاتحاد الذي تعتبره دول كثيرة نادياً مسيحياً.
اللافت أن تصريح عدد من الدول الأعضاء في الناتو يرجحون أن تكون المقاتلة الروسية “سو-24″ قد تم استهدافها فوق الأراضي السورية لا يخدم حليفها التركي، ويعطي ذريعة قانونية لأي تحرك روسي ضد تركيا
الحماقة الثانية
على ما يبدو أن الاتفاقات التجارية التي أبرمت بين أنقرة وموسكو ستذهب أدراج الرياح، حيث قال رئيس الوزراء الروسي ديمترى ميدفيديف اليوم الأربعاء إن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية قد يؤدى إلى إلغاء بعض المشروعات المشتركة المهمة بين البلدين، وأضاف أن الشركات التركية قد تخسر حصتها فى السوق الروسية.
رغم أن سرعة نمو الاقتصاد التركي عالية، إلا أنه ما زال يعاني من مسائل تتعلق بالبطالة وعجز الموازنة والديون الخارجية، والجدير ذكره أنه قبل شهرين زار الرئيس “أردوغان” موسكو ووقع اتفاقات تبادل تجاري ضخمة، في ظل توقعات بأن يرتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار في غضون خمس سنوات المقبلة، كما أن تركيا تحصل على 60% من الغاز الطبيعي من روسيا، فضلاً عن أن روسيا تساعد في تمويل محطة للطاقة النووية بتركيا تقدر تكلفتها بـ20 مليار دولار، من أجل تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
الحماقة الثالثة
أوصى اتحاد السياحة الروسي الشركات العاملة في قطاع السياحة بوقف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا، وذلك بعد إسقاط المقاتلة الروسية من قبل تركيا في سوريا، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المواطنين الروس الذين قصدوا تركيا بهدف السياحة في عام 2014 نحو 4.38 مليون شخص، وذلك من أصل 42 مليون سائح، أدخلوا ما يقارب 36 مليار دولار أمريكي إلى الاقتصاد التركي.
أضف إلى ذلك أن سياسة “صفر مشاكل” التي تبناها أردوغان والتي دمرها بسياساته المستفزة مع جيرانه سواء في سوريا أو العراق أو الأكراد، ستنعكس بالضرورة سلباً على السياحة في تركيا.
الحماقة الرابعة
حزب العمال الكردستاني من الأمور التي تؤرق الحكومة التركية حالياً، فحزب العمال الكردستاني يملك تأثيرا كبيرا في الأوساط الكردية بتركيا وسوريا، إذ خاض صراعا مريرا مع الجيش التركي في الثماننيات والتسعينيات من القرن الماضي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص، في 2013 تمت المصالحة بين الحكومة التركية وحزب أوجلان الذي دعا إلى سحب مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق مقابل تحسين حقوق السكان الأكراد في تركيا، إلا أن التطورات في المنطقة يبدو أنها قد غيرت قواعد الاتفاق بشكل غير مباشر، حيث حمَل حزب العمال الكردستاني حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، المسئولية عن التفجير الأخير الذي طاله.
تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وهي نظرة لم توافق عليها موسكو ففي الشهر الماضي أكد السفير الروسي لدى العاصمة التركية أنقرة “أندري كارلوف” أنّ بلاده لا تدرج تنظيم حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وبالتالي روسيا قادرة على استغلال ورقة الأكراد داخلياً في تركيا والعبث بها مع أنقرة دون اللجوء الروسي لأي خيار عسكري ضد أنقرة، مسألة من شأنها أن تؤثر على حزب العدالة والتنمية بشكل مباشر في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
الحماقة الخامسة
روسيا تعلم جيدا أن حربها في سوريا تحتم خسارتها لمعدات عسكرية وأرواح بشرية، وفي أقل تقدير قد تنجم هذه الخسارة عن خلل فني، فهذا يعني أن تهور تركيا بإسقاط الطائرة الروسية هي خسارة متوقعة من الجانب الروسي، وبالتالي هذا الإسقاط لن يثنِ “بوتين” عن تحقيق أهدافه في سوريا، بل سيسعر من عناده أكثر لتحقيق ما يصبو إليه، حيث صادق اليوم الرئيس الروسي على نشر منظومة إس-400 في قاعدة حميميم، وهو ما يعني أن ملامسة أي طائرة تركية لحدود سوريا كفيل بالقضاء عليها، وبالتالي فقد الأتراك حالياً أي قدرة لهم على المناورة في سماء الملف السوري، حيث حذرت الأركان الروسية من أن جميع الأهداف التي ستمثل خطراً “محتملاً” سيتم تدميرها.
الحماقة السادسة
إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا الحليف الإقليمي والرسمي لواشنطن في المنطقة عبر الناتو، سيجعل الرئيس الروسي مقتنعاً أكثر بضرورة وجود حليف إقليمي له في المنطقة أيضاً وبالتالي سيزيد من دعمه لمصر وإيران في الفترات المقبلة لإحداث نوع من التوازن في منطقة الشرق الأوسط بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ستفقد تركيا تدريجياً مكانتها في المنطقة.
الحماقة السابعة
تركيا بإسقاطها الطائرة فقدت مصدراً مهماً من مصادر تنويع السلاح فيها، وحصرت نفسها في السلاح الأمريكي، وبالتالي أي خلاف مستقبلي بين تركيا والولايات المتحدة سيجعلها في مأزق حقيقي في كيفية الحصول على السلاح وفي نفس الوقت لن تجد حليفاً يقف معها ضد واشنطن، حيث أعلنت هيئة الأركان الروسية قطع جميع العلاقات والاتصالات العسكرية مع أنقرة على خلفية إسقاط الطائرة.
وفي وقت سابق أعلن نائب رئيس «روسوبورون اكسبورت» «سيرجي جورسلافسكي»، والتي تعتبر الشركة المسئولة عن التصدير العسكري الروسي، عن استعداد تركيا لشراء نظام صواريخ أس 300 المضاد للطائرات والصواريخ، ودراستها للموضوع، حيث تمت مناقشة الموضوع خلال فترة معرض «IDEF» للأسلحة في إسطنبول من قبل وزير الدفاع التركي والمسئولين الروس.
الحماقة الثامنة
تركيا دولة مجاورة لروسيا عن طريق جزيرة القرم التي ضمتها روسيا مؤخراً لها، وبدلاً من أن تجعل تركيا من هذه الحدود منطقة آمنه لها، حولتها إلى نقطة تستطيع روسيا محاصرتها من خلالها، مع العلم أن التواجد الروسي في سوريا والعراق بالإضافة للقرم يجعل من تركيا دولة محصورة في الكماشة الروسية.