راديو موال :زاهرة مرعي -39 قطعة أثرية من فلسطين المحتلة استعيدت من صالة كريستيز في نيويورك، وعرضت على مدى يومين في قصر الأونيسكو في بيروت. حدث جديد من نوعه أعلن عنه في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، هي مرحلة مضافة من الصراع الثقافي مع العدو في إطار القضية الفلسطينية. في حكاية ذلك الاسترداد، فهو فوز بشراء تلك الآثار المنهوبة من فلسطين، بعد عرضها للبيع في المزاد في تلك الصالة الأمريكية، ومن قبل ورثة في عائلتي زكرمان وبرنشتاين، وهما من أصدقاء وزير الدفاع الصهيوني السابق موشي دايان.
معروف عن دايان الذي صار حاكماً عسكرياً للضفة الغربية بعد احتلالها سنة 1967 ولعه بالآثار. وقد سخّر جنوده وبعضاً من البدو العرب لتنفيذ رغباته، وهذا ما كانت تذكره عنه الصحافة الإسرائيلية. بعد حرب 1967 عاث دايان فساداً في الضفة الغربية وغزة على وجه الخصوص، وكذلك في سيناء والجولان. وكانت له من كل تلك الاراضي العربية مقتنيات لا تحصى، عمل لاهداء بعضها لأصدقائه. ولم يتوان دايان مع زوجته عن توقيع بعض تلك الآثار باسميهما، وكأنها من ممتلكاتهما الشخصية، وهذا ما بدا واضحاً في الآثار المستردة من ورثة عائلتي زكرمان وبرنشتاين. دايان ليس سارقاً وحسب، بل كذلك هو مزور للتاريخ الذي يعود لما قبل الميلاد بألفي سنة، أي للعصر البرونزي.
في صالة “كريستيز” عُرضت الآثار التي عُرفت بـ”مجموعة موشي دايان” وعملت كل من مؤسسة سعادة للثقافة وجمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي “إنماء” لاستردادها في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 إثر فوزهما بمزايدتين عامتين. في بيروت عُرضت تلك الآثار بين 2 و4 الجاري، وتخلل تلك الفعالية الثقافية والوطنية ندوة ركز خلالها المشاركون على الخطر الذي تتعرض له الآثار، ليس في فلسطين وحسب، بل في الكثير من الدول العربية، خاصة سوريا والعراق واليمن.
يقول المحافظ السابق في لبنان حليم فياض إن جمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي تعنى بشؤون إنمائية متعددة، ومؤسسة سعادة للثقافة تحمل اسم أنطون سعادة، وهو أحد رواد النهضة والتحديث والإصلاح في لبنان والعالم العربي. ومن خلال طروحاته الفكرية واعتباره الأقطار في المشرق، أو الهلال الخصيب، أو سوريا الطبيعية هي وحدة، فنحن نهتم بأي شأن ثقافي فلسطيني، أو سوري تماماً كما اهتمامنا بأي شأن لبناني. بدأت الجهود لاسترداد الآثار الفلسطينية قبل سنتين، وصف فياض العملية “بالصعبة، المعقدة والمكلفة. إنما الحمد لله تمت بسرية تامة، وتكللت بالنجاح، وها هي الآثار الفلسطينية الـ39 معروضة الآن للجمهور. بعد الأونيسكو ستكون هذه الآثار في معرض دائم، على أمل عودتها إلى فلسطين في الوقت المناسب. فلسطين هي قضية كل عربي، وثمة وجوه مختلفة للمقاومة، منها العسكري ومنها الثقافي، بكل تواضع تمكنا من هذا الإنجاز في الإطار الحضاري الثقافي”.
بدوره يقول وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية السابق والباحث في الآثار حمدان طه، بأن عشرات آلاف القطع الأثرية نُهبت من الضفة الغربية بعد احتلالها سنة 1967، ورغم أن القانون الدولي يُحرّم التنقيب عن الآثار في المناطق المحتلة، إلا أن موشي ديان والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت مغرقة في هذه التجارة غير المشروعة. ليس هذا وحسب، بل الهدف الأساس للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية من سرقة الآثار خدمة المشروع الاستيطاني الصهيوني، وتالياً نفي الوجود الفلسطيني.
الآثار المستردة التي عُرضت في بيروت تعود للعصر البرونزي، الحديدي، الروماني، الفارسي والبيزنطي. ومن أجلها بذلت جهود حثيثة وسرية. ويمكنها أن تشكل نواة لجهود مستقبلية لمتابعة البحث عن آثار فلسطين، وغيرها من الآثار العربية المنهوبة. تتشكل تلك الآثار من جرار متعددة تتراوح بين كبيرة وصغيرة. وفخاريات أخرى من أكواب، مطرة، قناديل، رأس امرأة من فخّار، رمح، وبرونزيات متعددة منها قلاّدة. بعض هذه الآثار يعود للعصر البرونزي القديم أي للألف الثاني قبل الميلاد.
المعنيون باسترداد تلك الآثار عرضوها على خبراء مختصين، وتأكدوا من أنها غير مزورة. تاريخ الشعب الفلسطيني يعود إليه، إنما مدير متحف رام الله جاك برسونيان طلب من مستردي تلك الآثار، ومستردي أي آثار فلسطينية أخرى أن يتم الحفاظ عليها حيث هي، إلى أن يحين زمن عودتها إلى ترابها في فلسطين.
زهرة مرعي