راديو موال – أسامة العيسة- لا يختلف مظهره، عن أي من الفتية الملثمين، بشكل كامل، أو جزئي، الذين يقارعون قوات الاحتلال، على خط التماس قرب قبة راحيل، في مدينة بيت لحم، ولكن يختلف عنهم فيما يمكن وصفها بمهمته التي وضعها لنفسه، وهي وضع كرسي في أقرب نقطة قريبة من جنود الاحتلال، لا تفصله عنهم، سوى الاطارات المشتعلة، والجلوس على الكرسي.
“صاحب الكرسي” أو “فتى الكرسي” هي الكنية أو الصفة التي أصبح يُعرف بها منذ تجدد المواجهات على قبة راحيل، واستشهاد الطفل عبد الرحمن عبيد الله (13) عاما، وإصابة العديد من الأطفال والفتية بجراح.
يجلس فتي الكرسي، على كرسي بلاستيكي، يضعه على الجزيرة الصغيرة وسط الشارع، يغطي نصف وجهه الأسفل، يراقب ما يحدث، يمد رجله، وكأنه في نزهة، يتحمل أدخنة النار القريبة منه، والغاز المدمع، إذا كان غير كثيف، وعندما تشتد المواجهات، وتصله حجارة المنتفضين من الخلف، أو قنابل ورصاص الجنود من الأمام، يقف في مكانه، ويضع الكرسي، فوق رأسه محتميا، وعندما يسود هدوء نسبي، يعود إلى جلسته، التي يصفها البعض بالاستفزازية، بالنسبة لجنود الاحتلال، الذين ربما حيرهم أمره.
مثل باقي الفتية، لا يحتمل فتى الكرسي، اطلاق قوات الاحتلال لصليات مكثفة من الغاز المدمع، فيحمل كرسيه، ويلتجأ إلى أقرب زقاق في مخيم العزة، متأثرا من الغاز المدمع، وعندما ينتهي تأثير الغاز، يعود حاملا كرسيه، ويجلس في مكانه، على جزيرته الصغيرة، في مواجهة ما يوصف بانه الجيش الذي لا يُقهر.
يحيط فتى الكرسي نفسه بالغموض، لا يحب الكلام الكثير، أو الاجابة عن أسئلة صحافية، ولا يخشى حتى كشف هويته، ما يهمه هو التمسك بكرسيه، والجلوس في الشارع، لقناعته، بان الشارع هو للناس، وعليهم ان يتمسكوا به، رغم كل الظروف، وبانه فقط يمارس حقه في ان يعيش حياة طبيعية، مثل باقي الناس في أنحاء العالم.
فتى الكرسي، الأكثر مداومة في المواجهات التي تستمر ساعات، يجلس على الكرسي، أو يقف وهو يحمله، أو يهرب وهو يغطي به رأسه، محتميا في أي زقاق على جانب الشارع الرئيس الذي يشهد المواجهات، شاهدا على وقوع الاصابات، وحركة سيارات الاسعاف، وكر وفر الفتية، وكل ذلك دون التخلي عن كرسيه.
فتية المواجهات، يرون فتى الكرسي، كجزء من المشهد الانتفاضي الجديد في بيت لحم، قال أحدهم وهو يبتسم: “كرسيه، ليس مثل كراسيهم، نحن نراه، هو منا وفينا، ولكننا لا نراهم، في المسيرات يتقدمون الصفوف الأولى، ومع أوّل بوادر مواجهة يختفون”.