أين وكيف وبماذا يستحم أهلنا في القطاع؟

كتبت: سائدة حمد

قال لي محدثي من غزة، إن الأولوية القصوى لاحتياجات أهلنا في قطاع غزة، خصوصا لنحو 450 ألف ممن نزحوا بعد تدمير منازلهم وكل ما يملكون، هي “الشامبو” الخاص بمعالجة القمل وأدوية معالجة “الجرب” والأمراض الجلدية الأخرى والالتهابات النسوية وحقائب مدرسية.

450 ألف إنسان نزحوا إلى مراكز “إيواء”، بينها مدارس ومنازل قيد الإنشاء وفي العراء وفي ساحات المشافي والعيادات، حيث لا وجود لحمامات ولا ماء ولا أدنى احتياجات النظافة الشخصية.

وفي هذه المراكز، أنجبت الأمهات، وحملت أخريات أطفالهن الرضع الذين جاؤوا إلى هذه الحياة قبل أيام أو أسابيع من بدء العدوان العسكري، بشق الأنفس، حملن أطفالهن على يديهن أو داخل أرحامهن لإنقاذهم من موت محقق بفعل الطائرات الحربية التي انهالت بحممها على شعب أعزل، إلا من إرادة الحياة، ليس لأنفسهن بل لأطفالهن.

فما الذي فعلنه على مدى 30 يوما؟ أوقدن نارا من الحطب وما ملكت أيديهن، لغلي ما تيسر من ماء، وقمن بغسل أجساد أطفالهن الرضع بواسطة “طشت- وعاء” غسيل، ومزقن الملابس وصنعن منه الحفاظات. وقمن بغليها وغسلها من جديد لتكرار الاستعمال.

ضحين بصحتهن، وهن الوالدات حديثا، وعدن رغم القصف المتواصل، لتفقد بعضا من ملابس، أو ربما قطعة صابون، من تحت ركام منازلهن المدمرة. في المدارس وخصوصا مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حيث أعلنت الأخيرة في بداية العدوان انها مستعدة لإيواء 35 ألف نازح، وانتهت بإيواء أضعاف أضعاف هذا العدد، لم تتوفر الحمامات المتنقلة.

بعض الأمهات الوالدات حديثا، ورغم خطوة حالتهن الصحية، كن يتوجهن إلى المشافي لاستخدام غرف دورة المياه لغسل أطفالهن، ثم يعدن مشيا على الأقدام إلى حيث الزاوية أو المنشأة أو المحل التجاري الذي لجأن إليه من القصف، أو حتى تحت الشجر.

لم يتناولن الشوربة، أو لقمة ساخنة على مدى 30 يومًا، ولم ينمن على سرير، وبالكاد ربما من شدة الإرهاق والتعب والقلق على مصير أطفالهن، تمكن من إغلاق أعينهن والنوم قليلا، رغم ألم فراق الأحبة الذين قتلوا، وألم الالتهابات الداخلية الذي لا يفارقهن.

الآن هن منشغلات بقص (حلق) شعور أبنائهن من الذكور “ع الصفر”، للتغلب على مشاكل الأمراض الجلدية، بينها القمل والصيبان، ولكنهن يردن أن يحافظن على شعور بناتهن الجميلة من نفس المصير، ويردن أيضا حقائب مدرسية.

تستطيع إسرائيل الآن وبكل “فخر” أن تعلن للعالم نجاحها في إعادة الحياة في قطاع غزة إلى عهد العصور الوسطى، كما وعدت، لكنها تعلم أن نسبة الأمية في فلسطين أقل من 1%، وأبدعوا في ابتكار ردود على الحصار والتجويع والتجهيل والقتل.

و لتتذكر، أن النازية الألمانية فعلت الشيء ذاته في الحرب العالمية الثانية، إسرائيل تستطيع أن تعلن للعالم إنها، هزمت أخلاقيا وتلك كانت البداية لنهاية النازية.

عن وطن