بضخامة سمفونية وبرنامج غنائي جماهيري.. أطل الفنان اللبناني مارسيل خليفة الخميس، في جبيل، مدينة طفولته وبداياته الموسيقية، مهدياً حفلة إلى ضحايا الحرب في غزة.
وأمام أكثر من أربعة آلاف شخص من مختلف الأعمار والفئات، غصت بهم مدرجات المسرح العائم في المدينة الأثرية الواقعة شمال بيروت، قدم خليفة عرضاً باهراً رافقه فيه 80 عازفاً من الفرقة الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان، و60 منشداً من جوقتي جامعتي “سيدة اللويزة” و”الأنطونية”.
وانطلقت الأمسية بافتتاحية أوركسترالية ضمت مقطوعات موسيقية كتبها مارسيل في المدينة خلال شبابه، أعاد صياغتها في قالب سيمفوني.
ثم عرض مارسيل تحقيقاً مصوراً يستعيد طفولته وشبابه في بلدة عمشيت المجاورة لمدينة جبيل، والتي هجرها قسرا في العام 1976، وهو في السادسة والعشرين من عمره، إبان الحرب الأهلية (1975-1990).
وكان مارسيل خليفة من مناصري قوى اليسار اللبناني المتحالف مع الفصائل الفلسطينية، فيما كانت منطقته تحت نفوذ الأحزاب ذات الغالبية المسيحية المناوئة للوجود الفلسطيني المسلح في بلدها.
وبعد عرض الشريط، خاطب خليفة الجمهور قائلا: “ليس بالأمر السهل لي أن أقدم حفلة في جبيل، في بيتي.. فهنا كانت أول كلمة لفظتها وأول أغنية لي… كل شيء أول، هو أجمل شيء”.
وغنى خليفة “يا نسيم الريح”، للشاعر الصوفي الفارسي الحسين بن منصور الحلاج، ثم قدم للجمهور مغنية الأوبرا سوبرانو الألمانية فيليسيتاس فوكس، وبصوتها وجه تحية “إلى الأطفال الذين يسقطون في غزة وفي كل الوطن العربي”.
بعدها.. قدم خليفة مجموعة من الأغاني التي طبعت في ذاكرة أجيال من اللبنانيين والعرب منها “ريتا” و”منتصب القامة”، و”سلام عليك” موصولة بـ”أحنّ إلى خبز أمي”، مستعيناً بصوت السوبرانو فوكس كمقدمة.
أما “جواز السفر”، فتخللت صيغتها التقليدية المألوفة وصلة موسيقية مختلفة ومتنوعة اللون، أدخل إليها خليفة أجواء الجاز، وطعمها بلازمة النشيد الوطني اللبناني، ليعود تدريجيا إلى اللحن الأصلي للأغنية.
ووسط الأداء الأوركسترالي، برز “عرض القوة” العزفي لكل من الكندي جوليان لابرو على الأكورديون ونجليه رامي خليفة على البيانو وبشار خليفة على الآلات الإيقاعية.
وأطلت أميمة الخليل التي رافقت فرقة خليفة “الميادين” منذ بداياتها في منتصف السبعينيات من القرن الفائت، مغنية من دون موسيقى “أحبك أكثر” وبرفقة الأوركسترا “طفل يكتب فوق جدار”.
وقدم مارسيل الفنان الشاب المصري محمد محسن في أغنية “خائف من القمر”. وقال عنه: “هو من شباب الثورة التي سرقت منهم في الأمس والآن. كان يصرخ في الشوارع لكنه الآن سيغني لأنه مؤمن بأنهم سيسترجعون الثورة”.
وغنت الفنانة اللبنانية عبير نعمة قصيدة “غني قليلا يا عصافير” مضيفة عليها طابعا أوبراليا.
وعلى غرار معظم حفلات مارسيل، اشتعل الجمهور مع أغنية “يا بحرية” التي غناها لأول مرة تحية إلى القائد اليساري الشعبي معروف سعد الذي اغتيل قبيل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
وختم خليفة الأمسية بـ”نشيد الجسر”، من كلمات الشاعر اللبناني الراحل خليل حاوي الذي انتحر في العام1982 تأثراً من رؤيته القوات الإسرائيلية تجتاح شوارع بيروت.
ولعل مارسيل خليفة لم يختر هذه الأغنية لختام عرضه صدفة، وهي التي يصف شاعرها طلابه قائلاً “يعبرون الجسر في الصبح خفافاً، أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدا، من كهوف الشرق من مستنقع الشرق… إلى شرقي الجديد”.