الكهرباء … “جريمة”

راديو موال – بقلم :جهاد حرب

أعاد تهديد رئيس شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية بقطع التيار الكهربائي عن “مناطق السلطة الفلسطينية”، رغم تطمينات سلطات الاحتلال الاسرائيلي، الحديث من جديد عن ديون السلطة الفلسطينية وشركات توزيع الكهرباء لصالح الشركة الاسرائيلية من ناحية، وإدارة الحكومة وشركة كهرباء محافظة القدس بالتحديد لملف الديون المتراكمة من ناحية ثانية.

وفي مقارنة بين ما أُعلن عنه من ديون في شهر أيلول عام 2012 وما تم الاعلان عنه في نهاية شهر شباط 2014، فإن الزيادة تقدر بـ 500 مليون شيقل اسرائيلي (813 مليون مقابل 1.3 مليار)، وهذا الرقم بحد ذاته فاجعة لمدى سوء الادارة لقطاع الكهرباء في مجمله من قبل شركات التوزيع؛ بما فيها المجالس المحلية، ووزارة المالية والحكومة وسلطة الطاقة، وإهمال ينم عن عدم المسؤولية، واستسهال اهدار الاموال الفلسطينية.

في هذه المرة لم يخرج أحد من هذه المؤسسات لتحديد من هو المسؤول عن ذلك بشكل صريح إلا تصريح مدير شركة كهرباء محافظة القدس يشير فيه الى مسؤولية الحكومة عن عدم تنفيذها اتفاق تقاسم المسؤوليات الذي جرى توقيعه بداية العام الماضي ما بين الحكومة وشركات التوزيع واللجان الشعبية في المخيمات.

ففي المرة الفائتة حُدد بلغ الدين للشركة الاسرائيلية وتوزيعاته، حيث بلغت الديون على قطاع الكهرباء 813 مليون شيقل؛ 560 مليون شيقل على شركة كهرباء القدس منها 250 مليون شيقل فواتير، و100 مليون شيقل سرقات، و100 مليون شيقل ديون على السلطة الوطنية،  و60 مليون فاتورة الدين. فيما بلغت الديون الاسرائيلية على السلطة الفلسطينية 260 مليون شيقل وهي ثمن التيار الكهربائي للهيئات المحلية التي تحصل على التيار الكهربائي من الشركة القطرية الاسرائيلية. هذه المرة لم يقل أيا من المسؤولين شيئا عن توزيع الدين وسبب تراكم هذا المبلغ في فترة قصيرة.

هذه الفاجعة “الديون” ليست قليلة لكنها ليست أخطر من استسهال اهدار المال العام؛ فقد دفعت خزينة السلطة الفلسطينية في الفترة الواقعة مابين 2001 و2013 حوالي سبعة مليارات شيقل ثمنا للكهرباء منها أكثر من اربعة مليارات شيقل لقطاع غزة، أي من دافعي الضرائب مباشرة من خلال المقاصة دون مساءلة أو محاسبة لأحد من الهيئات والشركات الموزعة. لكن عندما تثار الأزمة “يوقع الفأس بالرأس” يبدأ البحث عن حل للأزمة الآنية لإبعاد الشرور مؤقتا دون بحث في علاج أسبابها وقطع دابرها، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وعن تقاعسهم.

 وقد يطل علينا أحدهم ليقول إن الشركة الاسرائيلية تضيف مبالغ على فاتورة الكهرباء كإنارة الشوارع الالتفافية وكهرباء بعض المستوطنات. اعتقد انه اكتشاف عظيم لكن الاكتشاف المتأخر هذا يحتاج إلى توضيح يتعلق بكفاءة العاملين في هذا المجال من كل الاطراف.

والشيءُ بالشيء يذكر، اعلن رئيس الحكومة بداية هذا الشهر اطلاق الشركة الوطنية لنقل الكهرباء وهي شركة “حكومية” لكن هذا الامر الذي بحاجة الى دراسة متأنية للتكاليف المترتبة عن الانشاء، والفائدة منها، ومدى فاعليتها، وكذلك الدراسة من جديد أمكانية تطبيق نماذج ناجحة في الدول الكبرى أو دول ذات مؤسسات ناجعة وفاعلة ليس بالضرورة نجاحها لدينا على الحالة التي نحن فيها، وإلا يُصبح الامر مراكمة مؤسسات على بعضها البعض ترهق المواطن من بيروقراطيتها وخزينة الدولة من انفاقها، بالإضافة الى مدى النزاهة في أن يكون كبار موظفيها من المؤسسة التي تشرف على هذا القطاع.

كما أن توقيع أو رعاية سلطة الطاقة الفلسطينية لاتفاق استيراد الغاز لشركة توليد الكهرباء في الشمال “جنين” يثير مسائل كثيرة ليس اقلها الالتزامات على السلطة  الفلسطينية ومن ثم على المواطن، من جراء هذا التوقيع في ظل غياب معلومات رسمية معلنه حول هذه الاتفاقية وسبب توقيع سلطة الطاقة لصالح شركة خاصة.

هذا التخوف لم يأتِ من فراغ  وهو نابع من تجربة مريرة، حيث مازال عقد الاحتكار لمحطة توليد الكهرباء في غزة يكوي جيوب الخزينة وأنفاس الفلسطينيين، وكذلك غياب المسؤولية  والتساهل في ادارة قطاع الكهرباء واستسهال انفاق المال العام دون محاسبة. مما يتطلب عملية جراحية تطال كل المخالفين سارقي الكهرباء والمتخلفين عن الدفع والقائمين على شركات التوزيع والمشرفين عن قطاع الكهرباء كل حسب مسؤوليته اذا ما رام الشعب الفلسطيني ومؤسساته الرسمية منها والشعبية احترام وطنيته وبناء مستقبل لأطفاله.