راديو موال : فتح طلب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في العشرين من كانون الأول 2019، الذي قوبل بترحيبٍ فلسطينيٍّ رسميٍّ وشعبيٍّ عارم من الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار حكم في الولاية الجغرافية للأراضي الفلسطينية، الباب على مصراعيه أمام فلسطين لامتلاك سلاحها “النووي” الذي طال انتظارها لامتلاكه، والذي ستتمكن بموجبه من جَلب مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى القضاء الدولي، الأمر الذي أنعش الأمل لدى الشعب الفلسطيني بعدالة القضاء الدولي بعد خمس سنوات على إحالة فلسطين ملفاتها بشأن الجرائم الإسرائيلية للمدعية العامة.
في هذا التحقيق تحاول “القدس” دوت كوم تسليط الأضواء على القرار التاريخي والاستعداد الفلسطيني للتعامل معه، بما يكفل جَلب المجرمين للعدالة الدولية لينالوا قصاصهم.
“الخارجية”: حصرنا الدعوى بالجرائم الكبرى
يوضح مساعد وزير الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف السفير عمار حجازي في حديث لـ”القدس” دوت كوم أنّ ما قامت به بنسودا “جاء للتأكد من الاختصاص الإقليمي للإقليم الذي وقعت عليه الجريمة، ووصلت إلى نتيجةٍ بأن الإقليم هو الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، وطلبها من الدائرة التمهيدية ليكون الاستخلاص سليماً وقائماً على قرار قضائي، ثم أخذ قرار المحكمة بعد 120 يوماً لفتح التحقيق، وفي حال كان رد التمهيدية إيجابياً ستباشر المدعية العامة التحقيق، وفي حال كان سلبياً ستستأنف المدعية، وتمديد المدة لـ”التمهيدية” يجب تبريره ضمن إجراءاتٍ صارمة وليست مفتوحة”.
ويشدد حجازي على أن “الاختصاص الإقليمي أمرٌ محسومٌ وواضحٌ وأقرته جميع الأُطر الدولية، وستصل “التمهيدية” للجنائية الدولية للاستنتاج ذاته، علاوةً على أنّ الاختصاص الإقليمي يحدد شرعية فتح التحقيق في إطار الجرائم”.
وقبل خمس سنوات زودت فلسطين، من خلال وزارة الخارجية، المدعية العامة للجنائية الدولية بثلاث ملفات تُمكّن فلسطين من متابعة التقاضي، لكنها بحاجةٍ إلى عناصر أُخرى حين بدء التحقيق، لكن فلسطين، وفق حجازي، جاهزة بالملفات ذات الطابع المحدد بالجرائم الكبرى.
ويشير حجازي إلى أن إعلان الرئيس محمود عباس أنه بإمكان الضحايا وممثليهم ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين شجّع الضحايا لذلك، أما القضايا فيجب أن تكون ضمن الإطار الزمني بدءاً من 14 حزيران 2014، أي منذ إحالة فلسطين إلى الجنائية إعلانها بشأن جرائم الحرب في فلسطين.
ويوضح: “لدينا جميع العناصر المطلوبة في تلك الملفات، والآن نحن أمام مسألة اختيار الحالات القوية التي تساعد في الوصول إلى نتائج قوية في ملاحقة المجرمين الإسرائيليين، الآن يبدو من الملف الذي تقدمت به المدعية العامة للدائرة التمهيدية أنها ركزت على الملفات التي فيها جرائم حرب، وليست تلك التي فيها جرائم ضد الإنسانية ربما لصعوبة إثبات تلك الجرائم”.
ثلاثة ملفات رئيسية على طاولة “الجنائية”
وسلمت فلسطين ثلاثة ملفاتٍ تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في فلسطين إلى المدعية العامة للجنائية الدولية يتم تحديثها شهرياً، حيث يتم الاعتماد على المعلومات الموثقة، سواء ميدانياً أو من خلال بعض التقارير الدولية أو المؤسسات، علاوةً على عدم وجود آليات تقاضٍ تُنصف الضحايا في كافة الحالات المُوثقة.
والملفات المقدمة هي: ملف “النظام الاستعماري الإسرائيلي”، ويشمل كافة الممارسات التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون على يد هذا الاستعمار، وهي مئات القضايا والحالات، بهدف إجبارهم على الرحيل قسراً عن أراضيهم، وملف العدوان على غزة بدءاً بالحصار وتجويع السكان وجرائم القتل وكل القضايا الأُخرى ذات الصلة، وكذلك ملف الأسرى الذي تمت معالجته من جانب استخدام الاعتقال كوسيلةٍ لقمع السكان المدنيين بشكلٍ واسعٍ وممنهج، والتدليل على ذلك من خلال الإجراءات القضائية وافتقارها لأدنى المعايير الدولية وعدم قانونية الأحكام، وحرمان الأسرى من حقوقهم، وتعرُّضهم للتعذيب وغيرها من الإجراءات غير القانونية، فيما تقدمت فلسطين إلى المدعية العامة للجنائية بعدة ملفات بشكلٍ منفصلٍ لبشاعتها كقضية حرق عائلة دوابشة، وقتل الفتى محمد أبو خضير وهدم المنازل في وادي الحمص.
وأُنشئت اللجنة الوطنية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية قبل ما يقارب 5 سنوات بمرسومٍ رئاسي، وتشمل وزارات وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني وخبراء، مهمتها وضع السياسات والإشراف والمتابعة مع القيادة السياسية، أما وزارة الخارجية فمهمتها التنفيذ والمتابعة الفعلية مع الجنائية الدولية، وفق حجازي، الذي يوضح أن فلسطين سلمت إعلاناً في الأول من كانون الثاني 2015 وفق المادة (12)3، ومنحت بموجبه المدعية العامة النظر بالجرائم التي ارتُكبت على أرض دولة فلسطين منذ 13 حزيران 2014، ثم أحالت الحالة في الأرض الفلسطينية المحتلة بتاريخ 22 أيار 2018 وفق المادة 13 (أ) و14 من نظام روما إلى المدعية العامة للإسراع في فتح التحقيق، بعد تأخرها في قرارها فتح التحقيق، إذ إن فلسطين انضمت إلى نظام روما المؤسس للمحكمة في شهر كانون الأول 2014، ودخل انضمام فلسطين حيز النفاذ في شهر نيسان 2015، وكان الغرض من إيداع الإعلان من أجل أن يشمل التحقيق الفترة المشمولة في الإعلان من دون تاريخ نهاية.
الحالات الفردية
ويؤكد حجازي أن الحالات الفردية والمجتمعات الفلسطينية المتضررة التي ترى أن جرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة، وفي المدة الزمنية المشمولة في الإعلان، قد ارتُكبت بحقها يمكن لها تزويد المدعية العامة بمعلوماتٍ بشكلٍ منفصلٍ ومباشر، وفي حال تم فتح التحقيق وبدء المحاكمة يحق لهم أيضاً أن يمثلوا من خلال ممثلي دفاع، كما أن وزارة الخارجية جاهزة لتوفير الدعم في هذا الإطار.
وحول إمكانية أن تقوم إسرائيل بملاحقة الفلسطينيين في الجنائية الدولية، يؤكد حجازي أن القرار في ذلك يعود للمدعية العامة، وعلى أيّ حال فإن الخارجية الفلسطينية ستُتابع القضايا التي تمسّ الجانب الوطني الفلسطيني في حال وجودها، وستدافع عن الحقوق الوطنية، “إذ إنه من واجبنا الدفاع عن المواطنين وحقوقهم وعن الحالة الوطنية في الأمور التي تمس النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال”.
خبير قانوني: 3 اتجاهات بعد قرار بنسودا
يؤكد خبير القانون الدولي حنا عيسى في حديث لـ”القدس” دوت كوم أنّ قرار المدعية العامة للجنائية الدولية مهم، لكنها ليست صاحبة القرار في هذا الشأن، بل هي الدائرة البدائية التي تتكون من ثلاثة قضاة، وهم سيتداولون مذكرة المدعية العامة بثلاثة اتجاهات؛ إما انتهاء التحقيق، أو عدم اكتمال البيانات الواردة، أو أنها ترتقي إلى جرائم حرب، وفي هذه الحالة لا بُدّ من فتح تحقيقٍ على الأرض في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة كما ورد في مذكرة بنسودا، لكنهم حتى هذه اللحظة لم يبعثوا شيئاً، فيما يشير عيسى إلى أن كل خطوةٍ من خطوات المحكمة تحتاج إلى 5 سنوات، فالمرحلة الأُولى مضت عليها 5 سنوات، وننتظر كل المراحل الأُخرى حتى الوصول إلى العدالة الدولية، وهي مراحل تقاضٍ طويلة.
ووفق عيسى، تحتاج الغرفة التمهيدية أو الابتدائية في الجنائية الدولية إلى 120 يوماً من أجل فحص الولاية القضائية في فلسطين، في ظل تحجج إسرائيل وأميركا أن فلسطين دولة غير سيادية، ويجب الطعن بذلك، لكن قضاة المحكمة يقررون بالمسألة بناء على البيانات لديهم، فيما يشير عيسى إلى أنه على فرض قدوم المحققين للتحقيق في فلسطين، فلا بد من التساؤل هل ستسمح إسرائيل لهم بذلك، والمحكمة لا يوجد لديها قوة عسكرية لفرض وقائع على الأرض وتتعامل بناء على اتفاق موجود بين هيئة المحكمة والأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1998.
3 اختصاصات للجنائية الدولية
وبرغم أنّ التوجه هو للمحكمة الجنائية، فإنّ اختصاصها اختصاص تكميلي، يأتي بعد إنفاذ القضاء المحلي الإسرائيلي، إذ إن الجنائية ستسأل عما إذا كانت إسرائيل عاجزةً أو لا ترغب في المحاكمة، وإن ردت إسرائيل بالمحاسبة وفق القانون الإسرائيلي، فإن الأمر ينتهي بإصدار الأحكام، يوضح عيسى.
وتوجَد ثلاثة اختصاصات أُخرى للمحكمة الجنائية: الاختصاص التكميلي، والموضوعي المختص بأربع جرائم: جرائم الحرب، وجرائم العدوان، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، ثم الاختصاص الزماني، بمعنى أنّ المحكمة تبدأ بالتحقيق فقط في الجرائم بعد الأول من آب 2002، الذي دخلت فيه الجنائية الدولية حيز التنفيذ، وقبل ذلك التاريخ فإنّ الجرائم لا تنظر بها المحكمة، وكانت تحتاج إلى مجلس الأمن للإقرار بها، وكانت أمريكا موجودةً تضع “الفيتو”.
ويشير عيسى إلى أنّ الجانب الإقليمي للمحكمة يمكن من خلاله ملاحقة مجرم الحرب إن قررت المحكمة استجوابه في أي دولة موقعة على نظام روما المؤسس للمحكمة، وإلقاء القبض عليه وتقديمه إلى الجنائية، وبعد التحقيق إما تقع العقوبة عليه، أو تقول دولته إنه تمت محاكمته لديها، وبالتالي لا تستطيع المحكمة النظر في القضية مُجدداً.
وفيما يتعلق بملاحقة الفلسطينيين أنفسهم من إسرائيل أمام الجنائية، يقول عيسى: “إن إسرائيل قد تستغل بعض التقارير التي صدرت حول غزة فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ، وترفع قضية من خلال أصدقائها أو بعض الجمعيات، إذ إنها لا تستطيع ذلك كدولة، لذلك يجب إعداد ملفاتنا بطريقة جيدة، وأن تعد الملفات في إطار الإجراءات المتبعة في الجنائية، وأن يتم تقييم الجريمة، وأن تتدخل النيابة والطب الشرعي والإعلام وكل ذوي الاختصاص، وأن تتوفر في الجريمة 3 عناصر: العنصر المعنوي والعنصر المادي والرابطة السببية لارتكاب الجريمة”، مشيراً إلى أنه حال مُنعت المحكمة من دخول فلسطين فبإمكانها الاعتماد على المؤسسات الدولية كبينات غير رئيسية استرشادية، لكن لا بد من التحقيق الفعلي من قبل المحكمة.
ويشير عيسى إلى أنه “بما أننا وقعنا على نظام روما المؤسس للمحكمة، فلا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار، فالمحكمة تنظر بقضايا الفلسطينيين والإسرائيليين”.
وحول ما يقال إنّ اتفاقية أُوسلو تمنع ملاحقة الإسرائيليين، قال عيسى: “إن إسرائيل لم تنفذ الاتفاقية، ولو نفذتها لما حدث كل ذلك وهذه الحروب، ولأُقيمت دولة فلسطين، لكن بحكم القانون لم تنفذ إسرائيل الواجبات الملقاة على عاتقها بإقامة دولة فلسطين، فما كان من الجانب الفلسطيني إلا أن يُلاحق إسرائيل والأشخاص على جرائمهم ضد الشعب العربي الفلسطيني في إطار هذه المنظمة الدولية”.
السيادة للمواطنين أصحاب الأرض الأصليين لا للمحتلين
ويشدد المدير العام لمؤسسة “الحق” شعوان جبارين في حديثه لـ”القدس” دوت كوم على أنّ المسار طويلٌ في الجنائية الدولية، والفحص الأولي احتاج 5 سنوات، ولا يوجد سقف لذلك، وكنا معنيين بانتهاء هذه الفترة، “العدالة المتأخرة ليست عدالة” كما يقال، وبقرار بنسودا الأخير هي ربطت التحقيق بسؤالٍ ذي طابع قانوني، وفي حال رفضت الغرفة التمهيدية من حق فلسطين، وكذلك المدعية العامة أن تستأنف على القرار.
ويشير جبارين إلى أنّ “قرار بنسودا ممتاز حينما وصلت إلى قناعةٍ بوجود جرائم ارتُكبت وتُرتكَب في فلسطين، والمدعية العامة حفظت موضوع التحقيق المقدم من فلسطين، وطلبت من الغرفة التمهيدية الإجابة عن هذا السؤال القانوني، فالمدعية العامة ذكية بسؤالها القانوني، ولم تقدم الملف، وطلبت الإجابة عن السؤال دون طلب شيءٍ من المحكمة”.
ويتابع: “الخطر خلال التحقيق أنه بعد الوصول إلى مراحل التقاضي، قد يأتي الإسرائيليون و”يقتلون” الملف، لكنّ المدعية العامة ذكية عرفت كيف تحمي الملف من خلال قرارٍ قضائيٍّ وليس سياسياً”.
وحول تأخُّر مسألة الولاية القضائية، قال جبارين: “المدعية العامة أثارت القضية أكثر من مرة، وأبلغناها أنّ كل مقومات حسم الأمر موجودة، لكنها تعتقد أنها غير موجود، لوجود وجهات نظرٍ أُخرى مبنية على أوسلو بأن الفلسطينيين تنازلوا عن اختصاصهم القضائي على المنطقة “ج” وعلى المستوطنين والإسرائيليين، لكنّ هناك ردوداً بأنّ الاتفاقية مؤقتة كانت إلى العام 1999، علاوة على أنّ الاحتلال لا يأخذ سيادة، والسيادة للشعب الفلسطيني، لسكان الأرض الأصليين لا للمحتلين، إضافة إلى أنّ حدود فلسطين تم الحديث عنها في المؤسسات الدولية، وحين انضمام فلسطين لها أيضاً، بما فيها المحكمة كدولة، وهذه المسائل تشكل أساساً قانونياً قوياً”.
المحكمة تمثل مركز العدالة الكوني ومصداقيتها على المحك
يوضح عصام يونس، مدير عام مركز الميزان لحقوق الإنسان والمفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان وعضو اللجنة الوطنية للمتابعة مع الجنائية الدولية، في حديث لـ”القدس” دوت كوم أنّ بنسودا أعلنت انتهاء مرحلة الفحص التمهيدي التي تأخرت 5 سنوات بعدما تولّدت لديها قناعة بوجود شبهاتٍ وحقائق لارتكاب مخالفات نظام روما، تستوجب التحقيق بها، كما أن القرار بمثابة إعلان لدخول مرحلة جديدة، وهي مرحلة التحقيق، وإن كانت بنسودا أحالت للدائرة التمهيدية للمحكمة للنظر في الولاية المكانية.
ويشير يونس إلى أن المدعية العامة لم تحصل على موافقة الدائرة التمهيدية للبدء في التحقيق، وهو تطورٌ مهمٌّ جداً، بل طلبت السؤال حول الولاية المكانية، علماً أن طريق العدالة ما زال طويلاً.
ويؤكد يونس أنّ القرار بما ينطوي على إحالة للغرفة التمهيدية قد يسفر عن حقيقيتين إما إيجاباً ببدء التحقيق، أو سلباً تضطر بعده دولة فلسطين للطعن والاستئناف، ويُعاد النظر مرةً أُخرى، لكنّ المحكمة تمثل مركز العدالة الكوني ومصداقيتها على المحك، فيما يشدد يونس على ضرورة جهوزية فلسطين بكل ما له علاقة بالتحقيق، مشيراً إلى أن ما تمت إحالته للمدعية العامة بلاغات أقرب إلى المعلومات، وليست شكاوى.
وحول إمكانية اقتياد الفلسطينيين أنفسهم إلى الجنائية الدولية، قال يونس: “كل شيء مُتوقَّعٌ بأن نُقاد للجنائية، عندها يجب أن نكون جاهزين كطرفٍ فلسطينيٍّ لكل الاحتمالات، علماً أن هناك توافقاً فلسطينياً بالتوجه للمحكمة كخيارٍ متوفرٍ للفلسطينيين في ظل غياب العدالة والمحاسبة”.
من جانب آخر، يؤكد يونس أنه ولغاية الآن فإن الادعاء العام في الجنائية الدولية واضح، وهي جهة مستقلة، لكن حتى لو تعرضت المحكمة إلى ضغوطات وتهديدات، وقد تمثلت بتهديدات أميركية وتصريحات إسرائيلية ومحاولة اتخاذ إجراءات بحق المحكمة والقضاة في حال فتح الملف، فإننا “نأمل أن لا تتأثر المحكمة بذلك، وأن تُمارس عملها بشكلٍ مهني”.
“المنظمة”: ندرك أهمية الجنائية منذ انضمامنا لنظام روما
يوضح واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو اللجنة الوطنية للمتابعة مع الجنائية الدولية، في حديث لـ”القدس” دوت كوم أنّ “فلسطين عندما انضمت لنظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية بعد الاعتراف بنا في الأمم المتحدة عضواً مراقباً، كنا ندرك أهمية الذهاب إلى الجنائية الدولية، ورأينا ردوداً من الاحتلال آنذاك، وحينها أعلنت المدعية العامة للجنائية أنها بدأت الفحص الأولي للحالة في فلسطين، قدمنا خلال خمس سنوات ماضية مجموعة كبيرة محدثة من البلاغات، إلى أن أعلنت المدعية العامة بنسودا أنها أنهت الفحص الأولي”.
ويشير أبو يوسف إلى وجود أساس لفتح تحقيقات قضائية، حيث طلبت بنسودا إعطاءها رداً على الولاية الجغرافية، وهناك 120 يوماً للرد على ذلك، وأصبح إعطاء المحكمة تحديثاتٍ بالملفات يجري على قدمٍ وساق، الآن اللجنة الوطنية للمتابعة مع الجنائية ستجتمع خلال الأيام المقبلة، ووزارة الخارجية ومؤسسات المجتمع المدني تتابع ذلك، “ربما من أكثر القضايا المهنية هي الملفات التي قدمت للجنائية”.
ويلفت إلى أن الإدارة الأميركية كانت دائماً تحاول التغطية على جرائم الاحتلال وحماية إسرائيل في المحافل الدولية، والتهديد المباشر لقضاة المحكمة، لكننا نثق بعدالة القضية، فيما يشدد على أن قرار بنسودا ليس كما قبله، فقد فتحت الباب مجدداً في سياق محاكمة الاحتلال على جرائمه.
المعركة بدأت ولم تنتهِ.. لذا يجب التأني!
ويشدد الأمين العام لـ “المبادرة الوطنية” د.مصطفى البرغوثي في حديث لـ”القدس” دوت كوم، على ضرورة الانتباه إلى “أننا أمام معركة لم تنتهِ، وما تحقَّق بقرار بنسودا إنجاز، ولكن ما زالت أمامنا مرحلة أُخرى، وهي القرار من قبل الغرفة التمهيدية في المحكمة بانطباق الولاية الجغرافية لها، نعتقد أنه لا يوجد سبب بعدم الموافقة على ذلك، ولكن هناك ضغوطات من إسرائيل وأميركا على المحكمة، لذا يجب التأني، حتى نستطيع أن نضمن صدور القرار بانطباق الولاية الجغرافية، وفلسطين قدمت كل ما يلزم لإثبات انطباقها”.
ويوضح البرغوثي أن كافة الأمور مرتبة قانونياً، لكن بانتظار قرار “التمهيدية” للمحكمة، وبعد ذلك تصبح المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية جاهزة تماماً للتعاون مع المحكمة وتقديم كافة الأدلة، المهم أن تبدأ المحكمة بعملية التحقيق.
ويؤكد البرغوثي أن تأثير قرار بنسودا بدا واضحاً في الموقف الإسرائيلي، وهو نتيجة جهد كبير استمر عدة سنوات ويجب أن يستمر، دون التسرع بالاستنتاج أن التحقيق سيبدأ غداً، ودون تخفيف الجهد المتواصل لبدء التحقيق بأسرع وقت ممكن، وقرار بنسودا يفرض أهمية فرض عقوبات ومقاطعة على إسرائيل في ظل الإجراءات التعسفية التي تقوم بها.
ويشدد البرغوثي على أن الفلسطينيين واثقون بأنفسهم في حال استمرت التهديدات الإسرائيلية بملاحقتهم أمام الجنائية، ولو كانت إسرائيل لديها شيء تفعله لما خرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول: “هذا يوم أسود لإسرائيل”، ثم ماذا سنخسر في ظل تصنيف بعض الفصائل أنها إرهابية زوراً وبُهتاناً، فلا يوجد لدينا شيء نخاف منه”.
نحن في بداية الطريق والتحقيق والإدانة لم تحصلا!
يؤكد عضو اللجنة الدولية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية د.غسان الخطيب، في حديث لـ”القدس”دوت كوم، أن قرار بنسودا هو حصيلة جيدة لاستثمارٍ طويل الأمد للشعب الفلسطيني وقيادته في القوانين الدولية والمجتمع الدولي، وهذه المرة من المرات القليلة التي أثمرت فيها الجهود الفلسطينية، لكن الخطيب يشدد على أهمية الانتباه “أننا في بداية الطريق، والتحقيق والإدانة لم تحصلا، بل ما جرى أن المحكمة قامت بفحص أولي للبيّنات الفلسطينية ووجدت أن هناك أرضية كافية لفتح تحقيق رسمي، الذي يستمر عادةً مدةً طويلةً، ويتطلب جهوداً كبيرة يتمّ فيها تقديم المزيد من البينات الموثقة والقانونية لإسناد الموقف الفلسطيني كي تصل الجنائية إلى إدانة واضحة.
ويوضح الخطيب أن اللجنة الوطينة للمتابعة مع الجنائية الدولية تتضمن عدة لجان شُكلت من داخلها، وتشمل اللجنة عدة قطاعات وشخصيات حكومية وفصائلية وسياسية وخبراء وأكاديميين من تخصصات مختلفة، خاصة القانونيين، وتضم مؤسسات حقوقية تهتم بقضايا حقوق الإنسان، وفيها لجنة قانونية مكونة من خيرة الخبراء القانونيين في البلد، وهي جاهزة دائماً لإعطاء الاستشارات أو تقديم الوثائق أو المعلومات، حيث إن نظام عمل المحكمة يسمح بتقديم معلومات فردياً.
خطط لا بد منها لدعم تطبيق قرار المدعية العامة للجنائية
ويؤكد الكاتب مهند عبد الحميد في حديث لـ”القدس” دوت كوم ضرورة وضع خططٍ داعمةٍ لتطبيق القرار كتأمين قاعدة معلومات تستند إلى تقارير المنظمات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، وتدعيمها بشهادات حية وبشكاوَى الأفراد والمؤسسات بحق إسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب، وثمة حاجة لتحرك سياسي وشعبي فلسطيني مضاد لأشكال الإحباط والضغوطات الإسرائيلية الأمريكية.
ويشير عبد الحميد إلى أن قرار الجنائية الدولية جاء في لحظة استشراس حكومة نتنياهو وإدارة ترامب في تنكُّرهم للحقوق الفلسطينية الوطنية والمدنية والإنسانية، وبعد قراراتهم بحق القضية الفلسطينية، إذ إن القرار يُعيد الاعتبار إلى القانون الدولي ويؤكد أن العدالة لم تمت، وأن المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية ليست فوق القانون والعقاب.
ويأتي القرار، وفق عبد الحميد، كانتصارٍ معنويٍّ وأخلاقيٍّ فلسطينيٍّ في مواجهة التوحش، ويأتي في أوج الخنق السياسي الذي تتعرض له القضية الفلسطينية، فيُحفّز الشعب الفلسطيني، الذي أصابه نوعٌ من الإحباط، على مقاومة التصفية والصمود والاستنهاض أمام أخطر المؤامرات، لذا لا ينبغي إضافة قرار جديد للقرارات السابقة بمعزل عن إيجاد روافع لتفعيله، فالقرار يبقى حبراً على ورق إذا لم يتم العمل من أجل تطبيقه.
احتجاز جثامين الشهداء الورقة الرابحة في “الجنائية”
يؤكد الأمين العام للتجمع الوطني لأُسر الشهداء محمد صبيحات لـ”القدس” دوت كوم أنّ الأمانة العامة تداعت لاجتماعٍ بعد هذا القرار لوضع آليةٍ لحصر حالات الشهداء التي من الممكن تقديمها للجنائية، بالتعاون مع الجهات القانونية والرسمية أو بشكلٍ فرديّ، ويقول: “نحن لدينا توثيقات تتعلق بحالة كل شهيد، وما نريده هو حصر حالات قوية ومُحددة بعد دراستها من خلال قانونيين وتقديمها للجنائية ستكون ورقة قوية”.
ويوضح صبيحات أن التجمع يوثق من خلال مكاتبه بمحافظات الضفة الغربية كل حالة استشهاد، بحيث تشمل كيفية الاستشهاد وعدد الرصاصات التي تسببت بالاستشهاد والمسافة التقديرية للإصابة، ومعلومات عن كل شهيد، فيما يعمل التجمع على الحصول على توكيلات قانونية من أهالي الشهداء.
ويعتقد صبيحات أن قضية احتجاز إسرائيل جثامين الشهداء من القضايا ذات البُعد الإنساني، ويجب أن تُقدَّم للجنائية الدولية، وفيها قبول من كل العالم الحر، فلا استيعاب لسجن جثمان، فهو ليس سوى تعذيبٍ لأهل الشهيد، فيما يشير إلى أنه منذ العام 1968 ولغاية الآن تحتجز إسرائيل جثامين 253 شهيداً، بينهم جثامين في مقابر الأرقام وأُخرى في الثلاجات، ويشير كذلك إلى أنه جرى توثيق استشهاد ما بين 29-31 ألف فلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 ولغاية الآن.
“الشهداء الأسرى” والأسرى المرضى جريمتان في “الجنائية”
يرى رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر في حديث لـ “القدس” دوت كوم أنّ قرار المدعية العامة للجنائية الدولية سيكون تأثيره إيجابياً، ويمثل انتصاراً للفلسطينيين، ويأتي القرار في ظل ردة فعل إسرائيلية اعتبرت القرار يوماً أسود في تاريخ إسرائيل، إذ إنه من الممكن أن يُلاحق بعض الضباط الكبار للاحتلال في كل أنحاء العالم.
ويوضح أبو بكر أنّ الهيئة لديها طاقم محامين وخبراء، وعممت على كافة مديرياتها في المحافظات، بحيث إنّ من يريد تقديم شكوى ضد إسرائيل عليه أن يتوجه للهيئة لمتابعة قضيته من خلال طاقم قانونيين ووزارة الخارجية والمغتربين، لافتاً إلى أنّ رفع القضايا من الممكن أن تكون بشكلٍ فرديّ، وإما أن تكون مقدمةً من قبل السلطة الوطنية.
ويشير إلى أن أهم قضايا في ملف الأسرى هي قضايا الشهداء الأسرى في الآونة الأخيرة وقضايا الأسرى المرضى.
وفيما يتعلق برفع الاحتلال قضايا ضد الفلسطينيين، يشير أبو بكر إلى أنه يجري حالياً رفع قضايا أمام محاكم دولية من قبل عائلات جنود إسرائيليين يحملون جنسيات مختلفة ضد السلطة الوطنية، يطالبون فيها بتعويضات لمقتل أبنائهم في عمليات فلسطينية.
وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها خمسة آلاف أسير، بينهم 41 أسيرة و200 طفل، و700 مريض، منهم أكثر من 200 أسير مصابون بأمراض مزمنة، بينهم 10 حالات مرضية بالسرطان، كما استشهد خلال العام الجاري خمسة أسرى داخل سجون الاحتلال بسبب الإهمال الطبي، وهم: سامي أبو دياك، بسام السايح، نصار طقاطقة، فارس بارود، عمر يونس، كما لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثامين أربعة أسرى شهداء، ثلاثة منهم استشهدوا هذا العام، وشهيد آخر هو عزيز عويسات استشهد العام الماضي، نتيجة التعذيب.
ملفات الأسرى جاهزة بحاجة إلى تقييم
يشدد مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” حلمي الأعرج، في حديث لـ”القدس” دوت كوم، على أن قرار بنسودا يمثل انتصاراً لإرادة العدالة الدولية في ثلاثة ملفات فلسطينية قُدمت لها، وكان ملف قضية الأسرى حاضراً، حيث توجد جرائم التعذيب والاعتقال الإداري، والاعتقال التعسفي وغياب معايير المحاكمة العادلة للأطفال بتشريعٍ من كنيست الاحتلال في مخالفةٍ لاتفاقية حقوق الطفل، وكذلك جريمة الأحكام الطويلة بحق الأسرى، وجريمة الإهمال الطبي وعدم علاج الأسرى المرضى.
ويأتي ذلك، وفق الأعرج، مقابل غياب محاكمة جنود الاحتلال الذين يقتلون المواطنين بدمٍ بارد، وغياب محاكمة المستوطنين الذين يرتكبون جرائم حرب بحق الأرض الفلسطينية والسكان والممتلكات، ويُعرضون حياة المواطنين للخطر، في ظل غياب معايير المحاكمة العادلة.
ويؤكد أن الملفات المتعلقة بالأسرى جاهزة، لكنها بحاجةٍ لتقييمٍ ودراسة، لأنّ الموضوع أخذ بُعداً جدياً عميقاً، فقد حان الوقت لمحاسبة الاحتلال على جرائمه ومجرميه بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
ويتطرق الأعرج إلى قضية المنع من السفر والتضييق على حرية الحركة، وكلها موثقة، حيث يجري العمل لتقديم هذه الملفات، فيما تمكَّن “حريات” من توثيق حالات منع سفر فردية خلال السنوات الخمس الماضية، حيث بلغ عدد الممنوعين من السفر 7984 حالة، 9% منهم نساء.
ويؤكد أن فلسطين يجب أن توفر كل المساعدة المطلوبة بكل أشكالها لتقديم شكاوى من قبل الضحايا الذين ينوون رفع قضايا بشكل فردي، فيما يحذر من إمكانية قيام الاحتلال بتخويف الأفراد الذين ينوون تقديم تلك القضايا.
“بي دي أس”: يجب أن نوظف علاقاتنا للضغط في إطار المساهمة بنظام روما
يؤكد صلاح الخواجا، منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، وعضو سكرتاريا “بي دي أس”، أنّ “قرار بنسودا تطوُّرٌ كبيرٌ كي نبدأ بملاحقة إسرائيل على كل الصعد السياسية والقانونية وملاحقة جمعيات الاستيطان، كما أن القرار يضاف إلى قرارات أُخرى دولية لصالح الشعب الفلسطيني”.
ويشير الخواجا إلى أنه جرى العمل خلال السنوات السابقة لخلق حركة رأيٍ ضاغطةٍ لفتح ملف التحقيق في الجنائية، والآن بعد القرار، وفي ظل الضغوطات على بعض القُضاة بفرض عقوباتٍ عليهم، لا بُدَّ من التساؤل حول كيفية القيام بجهودٍ دوليةٍ من خلال المؤسسات ونشطاء “بي دي أس”، وسنوظف كل علاقاتنا من خلال لجان المقاطعة في كل دول العالم وإيجاد حراك ضاغط من أجل ضمان المساهمة نظام روما.
يقول الخواجا: “نحن نريد رأياً عاماً شعبياً ضاغطاً في العالم، نحن اليوم بحاجةٍ إلى أن نُظهر بعض القضايا، خاصةً تدخلات الولايات المتحدة الأميركية بالشؤون الداخلية للدول وانتهاك السيادة فيها”.
وفيما يتعلق بإمكانية مقاضاة إسرائيل لنا كفلسطينيين، يوضح الخواجا أن القانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة أكدت حق الشعوب في الدفاع عن أنفسها.