مسبح “ريمون”!

راديو موال – في سجن “ريمون”، أحكم الأسرى إغلاق غرفهم، وسدوا جميع منافذها بقطع قماشية، قبل أن يفتحوا صنابير المياه لتنساب على الأرض، وتملأ ثلث الغرفة، وراحوا يمارسون ما يشبه السباحة.

في فصل الصيف، وتحديدا في يوم “النكيون”، أو ما يعرف بيوم النظافة، الذي يخصص لتنظيف غرف المعتقل وترتيبها، يستغل الأسرى كمية المياه التي تضاعفها إدارة سجون الاحتلال دونا عن بقية الأيام، لتلطيف الأجواء الحارة داخل غرفهم في ظل انعدام وسائل التبريد، واضفاء جو من المرح، الذي لا يكتمل دائما، فغالبا ما يعاقبهم الاحتلال بفرض غرامات مالية باهظة.

ورغم أن الأسرى ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر في فصل الصيف، إلا أنه يصبح نذير شؤم في الشتاء، كونهم يضطرون لتنظيف غرفهم في أجواء شديدة البرودة، في ظل انعدام وسائل التدفئة، فلكل فصل من فصول العام انعكاساته على حياتهم، والتي تختلف من سجن لآخر.

أصعب الأوقات التي عاشها الأسير المحرر بلال كايد من بلدة عصيرة الشمالية بمدينة نابلس في المعتقل كانت في فصل الربيع، بعد أن أصيب بالحساسية لفرط الرطوبة داخل الزنازين وغرف العزل، ونتيجة لسياسة الاهمال الطبي المتعمد أصيب بالتهاب مزمن في الجيوب الأنفية، وأصبح بحاجة ملحّة لإجراء عملية جراحية، إلا أن إدارة المعتقل رفضت.

في سجن النقب الصحراوي، الذي أمضى فيه بلال ثلثي محكوميته البالغة 15 عاما، فاقمت العواصف الرملية من حالته الصحية، “هذه العواصف كانت تحول دون خروج الأسرى من غرفهم لأيام طويلة، ويضطرون بسببها لإحكام إغلاق غرفهم، رغم الحرارة الشديدة” يقول كايد.

الأسير المحرر كايد، يعاني لغاية اليوم من صعوبة بالتنفس دون قطرة طبية تلازمه أينما ذهب، بعد أن أخبره الأطباء بعدم جدوى إجراء العملية، فقد فات الأوان على ذلك.

لا يقف الأمر عند العواصف الرملية، حيث يعاني الأسرى في معتقل النقب صيفا من انتشار الحشرات والعقارب داخل غرفهم، ويتذكر كايد قصة الأسير محمد الزعنون من الخليل، الذي أصيب بوعكة صحية كادت أن تودي بحياته، ليتبين لاحقا ان السبب كان لدغة عقرب.

في المعتقل يحتاج الأسير لخوض اضراب عن الطعام، للحصول على مبيد حشري للتخلص من الصراصير والعقارب التي تجتاح زنزانته.

في “مجدو”، كان الأسرى يطلقون على غرفهم مصطلح “قطار”، جراء الاكتظاظ، فيصل عددهم احيانا إلى 35 أسيرا في الغرفة الواحدة، الأمر الذي اضطرهم لخوض إضرابات ونضالات، حتى استطاعوا تقليص العدد إلى ستة أسرى في الغرفة.

في معتقلات الاحتلال، ليس هناك ما يقيك حرّ الصيف وبرد الشتاء، فالوسائل التي يوفرها الاحتلال، لا تلبي أدنى احتياجات الأسرى.

تخصص إدارة المعتقل مروحة صغيرة دون قاعدة لكل ثلاثة أسرى، تتحرك للأعلى والأسفل فقط، ما يسبب خللا في توزيع الهواء داخل الغرفة، يقول كايد الذي تحرر من الأسر عام 2016.

ويضيف: في كثير من الأحيان تقدمنا بطلبات لإدارة المعتقل لإدخال قوالب ثلج إلى الغرف، كنا نضع قطعا منها داخل “بشكير” ونعلقه على المروحة من الخلف، فينبعث منها هواء باردا محملا بالرذاذ، لكن عندما اكتشفت الإدارة الأمر عاقبتنا بسحب المراوح من الغرف، ما اضطرنا للتناوب على التلويح بـ”البشكير” لتلطيف جو الغرفة.

الحصول على مروحة في المعتقل ليس بالأمر اليسير، فذلك يحتاج إلى مطالبات عدة تفشل معظمها، وإن نجحت يسدد الأسرى ثمنها 350 شيقلا أي ما يعادل (100 دولار)، وفي حال تعطلت لأي سبب من الأسباب تعاقبهم إدارة المعتقل بفرض غرامة مالية تتجاوز احيانا ثمنها.

وفي الصيف أيضا، يصاب الأسرى بضربات الشمس والهزلان والالتهابات الجلدية، كونه لا يسمح لهم بالخروج إلى “الفورة” سوى في ساعات الظهيرة التي تكون فيها درجات الحرارة مرتفعة.

فصل الشتاء ليس افضل حالا، لانعدام وسائل التدفئة داخل الغرف، ليس هذا فقط، فإدارة المعتقلات لا تسمح للأسرى سوى باقتناء غطاءين صغيرين، يصل ثمن الواحد منهما إلى 200 شيقل، أي ما يعادل (58 دولارا).

خاض الأسرى عام 2012 إضرابا عن الطعام لإجبار إدارة المعتقلات على توفير وسائل تدفئة (مروحة تنفث هواء ساخنا)، إلا أنها سحبتها بعد أقل من شهر، بدعوى أنها تسببت بإصابة الأسرى بالتهاب بالقصبات الهوائية.

في إحدى المرات، لجأ أسير إلى قص أحد أغطيته على هيئة بنطال وارتداه أسفل ملابس السجن “الشاباص”، ليقيه من البرد القارس خلال عملية نقله عبر “البوسطة”، وعندما اكتشفت الإدارة أمره، عاقبت جميع الأسرى بسحب أغطيتهم، يقول كايد.

“تعرق اليدين”، ظاهرة يعاني منها الأسرى شتاء نتيجة خلل في إفراز الهرمونات ينجم عن البرد القارس واستخدام المياه الباردة، في ظل عدم توفر الماء الساخن سوى لساعتين يوميا.

في أحيان كثيرة، يضطر الأسرى لوضع “البلاطة” الكهربائية المخصصة للطبخ أسفل “البرش” لتدفئة أجسادهم، خاصة من يصابون بالإنفلونزا.

تقلبات الفصول، تجبر الأسرى على خوض إضراباتهم في فترات معينة من السنة، تتركز من شهر شباط/ فبراير ولغاية آيار/ مايو، أو من نهاية شهر آب/ أغسطس ولغاية كانون الأول/ ديسمبر، ففي غير هذه الاوقات قد تتعمد إدارة المعتقلات سحب المراوح أو “بلاطة” غاز الطبخ، للضغط على الأسرى واجبارهم على فك إضرابهم، إضافة إلى أنها قد تنقلهم في الشتاء إلى معتقلات باردة، والعكس في الصيف.

سنوات عجاف يقضيها الأسرى في معتقلات الاحتلال، تسرق فيها اعمارهم وزهرات شبابهم، لكنها تدفعهم إلى ابتداع وسائل تهون عليهم ظلمة الزنازين وقسـاوة المرحلة، وتساعدهم على انقضاء ايامهم بانتظار فرج قريب.